للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَدَمُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَتَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ حَالَةَ سُكْرِهِ كَإِسْلَامِهِ، وَمِمَّنْ كَانَ فِي مَحَلِّ مَعْصِيَةٍ.

ثُمَّ صَرَّحَ بِمَا يُفْهِمُهُ الْإِقْلَاعُ لِلِاعْتِنَاءِ بِهِ فَقَالَ (وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ) يَعْنِي الْخُرُوجَ مِنْهَا بِأَيِّ وَجْهٍ قَدَرَ عَلَيْهِ مَالًا كَانَتْ أَوْ عِرْضًا نَحْوَ قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ (إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ) سَوَاءٌ أَتَمَحَّضَتْ لَهُ أَمْ كَانَ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُؤَكَّدٌ كَفَّارَةٌ فَوْرِيَّةٌ وَزَكَاةٌ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» فَإِنْ أَفْلَسَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ كَمَا مَرَّ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَالِكِ وَوَارِثِهِ دَفَعَهُ لِحَاكِمٍ ثِقَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمَصَالِحِ عِنْدَ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ بِنِيَّةِ الْقَرْضِ وَغَرِمَ بَدَلَهُ إذَا وَجَدَهُ، فَإِنْ أَعْسَرَ عَزَمَ عَلَى الْأَدَاءِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ إنْ لَمْ يَعْصِ بِالْتِزَامِهِ وَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ يُعَوِّضَ الْمُسْتَحِقَّ، وَإِذَا بَلَغَتْ الْغِيبَةُ الْمُغْتَابَ اُشْتُرِطَ اسْتِحْلَالُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ تَعَسَّرَ لِغَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَلَا أَثَرَ لِتَحْلِيلِ وَارِثٍ وَلَا مَعَ جَهْلِ الْمُغْتَابِ بِمَا حُلِّلَ مِنْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْهُ فَيَكْفِي فِيهَا النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ، وَكَذَا يَكْفِي النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الْحَسَدِ، وَمَنْ لَزِمَهُ حَدٌّ وَخَفِيَ أَمْرُهُ نُدِبَ لَهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ أَتَى لِلْإِمَامِ يُقِيمُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ مُزِيلًا لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّوْبَةِ إذْ هُوَ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ.

وَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْبَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَائِلَ كِتَابِ الْجِرَاحِ. وَتَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى غَيْرِهِ وَمِمَّا تَابَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَارِثُهُ كَانَ الْمُطَالِبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ دُونَ الْوَارِثِ عَلَى الْأَصَحِّ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ فَتَوْبَتُهُ إنَّمَا هِيَ لِعِلْمِهِ بِاسْتِحَالَةِ عَوْدِهِ إلَى مِثْلِ مَا فَعَلَ (قَوْلُهُ: مُؤَكَّدٌ كَفَّارَةٍ) أَيْ كَكَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمَصَالِحِ) الْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّ قَوْلَهُ بِنِيَّةِ الْقَرْضِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مَا شَاءَ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِنِيَّةِ الْقَرْضِ حَتَّى لَا يَضِيعَ عَلَى مَالِكِهِ إذَا ظَهَرَ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ فِي الصَّرْفِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَعْسَرَ عَزَمَ عَلَى الْأَدَاءِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَالِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الَّذِي فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ فَعَلَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ) وَلَيْسَ مِنْ التَّعَذُّرِ مَا لَوْ اغْتَابَ صَغِيرًا مُمَيِّزًا وَبَلَغَتْهُ فَلَا يَكْفِي الِاسْتِغْفَارُ لَهُ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَبِفَرْضِ مَوْتِ الْمُغْتَابِ يُمْكِنُ اسْتِحْلَالُ وَارِثِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمُغْتَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ (قَوْلُهُ: اسْتَغْفَرَ لَهُ) أَيْ طَلَبَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا.

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ حَيْثُ قَالَ شَرْطُهَا الْإِخْلَاصُ وَالْإِخْلَاصُ مُرَادِفٌ لِلْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ) أَيْ إنْ تَأَتَّتْ مِنْهُ الشُّرُوطُ الَّتِي مِنْهَا النَّدَمُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إنْ تَعَلَّقَتْ) أَيْ الظُّلَامَةُ بِمَعْنَى الْمَعْصِيَةِ، وَيَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلتَّوْبَةِ بِمَعْنَى مُوجِبِهَا، لَكِنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ ظَاهِرَةٌ فِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الْقَرْضِ وَغُرْمِ بَدَلِهِ) هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الظُّلَامَةُ عَيْنًا كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا فَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا صَرَفَهُ فِي الْمَصَالِحِ ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الذِّمَّةَ مَشْغُولَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ بِنِيَّةِ الْقَرْضِ لَمْ أَرَهُ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ مُزِيلًا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَلَيْسَ اسْتِيفَاءُ نَحْوِ الْقَوَدِ مُزِيلًا لِلْمَعْصِيَةِ إلَخْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>