للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ ادَّعَى ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) ظَاهِرٍ أَوْ خَفِيٍّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ خَفِيَ فِسْقُهُ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْحَاكِمَ عَلَى حُكْمٍ بَاطِلٍ، لَكِنْ مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَوَائِلَ الْبَابِ جَوَازُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ انْحَصَرَ خَلَاصُ الْحَقِّ فِيهِ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمُوَافَقَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْخَفِيِّ لِأَنَّ فِي قَبُولِهِ خِلَافًا (قِيلَ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) كَشُرْبِ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ النَّبِيذِ (لَمْ يَجِبْ) الْأَدَاءُ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِرَدِّ الْقَاضِي لَهُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الشَّاهِدُ غَيْرَ قَادِحٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ هُوَ أَنَّهُ مُفَسَّقٌ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ يَقْبَلُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يَرَى التَّفْسِيقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ بِهِ أَمْ لَا، فَقَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَيَرَى قَبُولَهَا. وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ عَدَمُ اللُّزُومِ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا لِمَنْ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ مُقَلِّدِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُجْمَعِ عَلَى فِسْقِهِ عَدْلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيمَا عَدَاهُ، وَيَجُوزُ لِلْعَدْلِ الشَّهَادَةُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِي يُرَتِّبُ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ كَبَيْعٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَاهَا، أَوْ شَهِدَ بِتَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ بِوَلِيٍّ غَيْرِ مُجْبِرٍ عِنْدَهُ مَنْ يَرَاهُ، وَالشَّاهِدُ لَا يَرَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ، وَيَجُوزُ لَهُ تَحَمُّلُ ذَلِكَ وَلَوْ قَصْدًا.

نَعَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِصِحَّةِ أَوْ اسْتِحْقَاقِ مَا يُعْتَقَدُ فَسَادُهُ وَلَا أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي وُقُوعِهِ إلَّا إنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ (وَ) ثَالِثُهَا (أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ عُذْرٍ مُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ كَمَا مَرَّ، نَعَمْ مَرَّ أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ تُعْذَرُ دُونَ غَيْرِهَا (فَإِنْ كَانَ) مَعْذُورًا بِذَلِكَ (أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُهَا) دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُ، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ نَحْوِ أَمِيرٍ وَقَاضٍ فَاسِقٍ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ إنْ تَعَيَّنَ وُصُولُ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ طَرِيقًا لَهُ، أَوْ عِنْدَ قَاضٍ مُتَعَنِّتٍ أَوْ جَائِرٍ: أَيْ لَمْ يَخْشَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَلَوْ قَالَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُجِبْهُ لِاعْتِرَافِهِ بِفِسْقِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِاحْتِمَالِهِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُؤَدِّي لَفْظُ أَشْهَدُ فَلَا يَكْفِي مُرَادِفُهُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الظُّهُورِ، وَمَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ حُكْمُ مَجِيءِ الشَّاهِدِ بِمُرَادِفِ سَمَاعِهِ، وَلَوْ عَرَفَ الشَّاهِدُ السَّبَبَ كَالْإِقْرَارِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ الْمِلْكِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا لِأَنَّهُ قَدْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) إنْ انْحَصَرَ خَلَاصُ الْحَقِّ فِيهِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسًا وَلَا بُضْعًا وَلَا عِوَضًا، وَإِنْ قَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ ظُهُورَهُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْحَصِرْ خَلَاصُ الْحَقِّ فِيهِ لَمْ تَجُزْ لَهُ الشَّهَادَةُ، وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِهَا لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إعَانَةٍ عَلَى تَخْلِيصِ الْحَقِّ لَكَانَ مُتَّجَهًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ حَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مَعَ الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ يُتَّجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ وَبُضْعٍ. قَالَ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهِيَ تُفِيدُ الْجَوَازَ إذَا لَمْ يَنْحَصِرْ الْحَقُّ فِيهِ وَالْوُجُوبُ إذَا انْحَصَرَ (قَوْلُهُ هُوَ كَبَيْعٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ لَيْسَتْ سَبَبًا فِي حُصُولِ الشُّفْعَةِ الَّتِي لَا يَرَاهَا، إذْ لَوْ كَانَتْ سَبَبًا لَحَرُمَتْ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ التَّسَبُّبَ فِيمَا لَا يَرَاهُ مَمْنُوعٌ حَيْثُ لَا تَقْلِيدَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجِبْهُ) أَيْ الْقَاضِي لِطَلَبِ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: وَمَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ حُكْمُ مَجِيءِ الشَّاهِدِ) أَيْ وَهُوَ الْقَبُولُ فِيمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي مَعْنَى مُرَادِفِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لِشَهَادَتَيْنِ أَوْ لِأَدَاءِ شَهَادَتَيْنِ

(قَوْلُهُ لَكِنْ مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَوَائِلَ الْبَابِ جَوَازُهُ) بَلْ مَرَّ اسْتِيجَاهُ وُجُوبِهِ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: بِمَا يَعْتَقِدُهُ الشَّاهِدُ غَيْرَ قَادِحٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا اعْتَقَدَهُ الشَّاهِدُ غَيْرَ قَادِحٍ لِنَحْوِ تَقْلِيدٍ وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ عَقِبَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ هُوَ أَنَّهُ مُفَسِّقٌ فَانْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ عُذْرٍ مُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) دَخَلَ فِيهِ أَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ قَدَّمْت التَّوَقُّفَ فِيهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَرَأَيْت

<<  <  ج: ص:  >  >>