بِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ فَأَعْتَقَهُ الشَّرِيكُ سَرَى لِنَصِيبِهِ قَالَ: فَإِذَا حُكِمَ بِالسِّرَايَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ هُنَا فَفِي مِلْكِهِ أَوْلَى، رُدَّ بِأَنَّ الَّذِي سَرَى إلَيْهِ الْعِتْقُ هُنَا مِلْكُ الْمُبَاشِرِ لِلْإِعْتَاقِ فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ، وَأَمَّا ثَمَّ فَاَلَّذِي سَرَى إلَيْهِ غَيْرُ مِلْكٍ لِلْمُبَاشِرِ فَلَمْ يَقْوَ تَصَرُّفُهُ لِضَعْفِهِ عَلَى السِّرَايَةِ، إذْ الْأَصَحُّ فِيهِمَا أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَلَى مَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلَى الْبَاقِي بِهَا، وَإِنْ رَجَّحَ الدَّمِيرِيِّ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَسَيَأْتِي.
وَلَا بُدَّ فِي الصِّيغَةِ مِنْ لَفْظٍ يُشْعِرُ بِهِ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ أَوْ كِتَابَةٍ مَعَ نِيَّةٍ (وَصَرِيحُهُ) وَلَوْ مَعَ هَزْلٍ أَوْ لَعِبٍ (تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ) أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا لِوُرُودِهِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَكَرِّرَيْنِ، أَمَّا نَفْسُهُمَا كَأَنْتِ تَحْرِيرٌ فَكِنَايَةٌ كَأَنْتِ طَلَاقٌ، أَمَّا أَعْتَقَك اللَّهُ أَوْ اللَّهُ أَعْتَقَك فَصَرِيحٌ فِيهِمَا كَطَلَّقَك اللَّهُ أَوْ أَبْرَأَكِ اللَّهُ، وَيُفَارِقُ نَحْوُ بَاعَك اللَّهُ أَوْ أَقَالَك اللَّهُ حَيْثُ كَانَتْ كِنَايَةً لِضَعْفِهَا بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ، بِخِلَافِ تِلْكَ وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا قَبْلَ نِدَائِهَا حُرَّةً عَتَقَتْ بِقَوْلِهِ لَهَا يَا حُرَّةُ مَا لَمْ يَقْصِدْ نِدَاءَهَا بِذَلِكَ الِاسْمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ اسْمُهَا بِهِ حَالَ نِدَائِهَا، فَإِنْ قَصَدَ نِدَاءَهَا بِذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تُعْتَقْ وَإِلَّا عَتَقَتْ.
وَلَوْ زَاحَمَتْهُ أَمَتُهُ فَقَالَ لَهَا: تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِهَا لَمْ تُعْتَقْ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ الْقَوِيِّ هُنَا وَهُوَ غَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ حُرَّةٍ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِلْعَفِيفَةِ عَنْ الزِّنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ: أَمَتُك زَانِيَةٌ فَقَالَ: بَلْ حُرَّةٌ وَأَرَادَ عَفِيفَةً قُبِلَ بَلْ وَإِنْ أَطْلَقَ فِيهِمَا يَظْهَرُ لِلْقَرِينَةِ الْقَوِيَّةِ هُنَا، وَلَوْ قَالَ لِمَكَّاسٍ خَوْفًا مِنْهُ عَلَى قِنِّهِ هَذَا حُرٌّ عَتَقَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لِمَنْ يَحِلُّهَا مِنْ وَثَاقٍ بِجَامِعِ وُجُودِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ فِيهِمَا، وَصَوَّبَ الدَّمِيرِيِّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْتَ زَوْجَتَك فَقَالَ: نَعَمْ قَاصِدًا الْكَذِبَ وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مُنَزَّلٌ فِيهِ الْجَوَابُ عَلَى السُّؤَالِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ لِقَصْدِهِ وَبِفَرْضِ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ هُنَا قَرِينَةٌ عَلَى الْقَصْدِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَقَوْلُهُ لِضَارِبِ قِنِّهِ عَبْدُ غَيْرِك حُرٌّ مِثْلُك لَا عِتْقَ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ يَا خَوَاجَا.
وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ حُرٌّ كَانَ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهِ بِخِلَافِ أَنْتَ تَظُنُّ، أَوْ قَالَ لِقِنِّهِ: اُفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ الْعِشَاءِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُقَالُ: إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الشَّائِعِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِيهِ مُمْكِنَةٌ لِحُصُولِهَا مِنْ عِتْقٍ نَافِذٍ، وَأَمَّا الْيَدُ فَلَا يُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهَا وَحْدَهَا فَيَضْعُفُ الْقَوْلُ بِالسِّرَايَةِ مِنْهَا وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي إعْتَاقِ جُزْءٍ مُبْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ فَهَلْ يَسْرِي أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ صِيَانَةً لِعِبَارَةِ الْمُكَلَّفِ عَنْ الْإِلْغَاءِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الشَّائِعِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِيهِ مُمْكِنَةٌ لِحُصُولِهَا مِنْ عِتْقٍ نَافِذٍ، وَأَمَّا الْيَدُ فَلَا يُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهَا وَحْدَهَا فَيَضْعُفُ الْقَوْلُ بِالسِّرَايَةِ مِنْهَا. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي إعْتَاقِ جُزْءٍ مُبْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ فَهَلْ يَسْرِي أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ صِيَانَةً لِعِبَارَةِ الْمُكَلَّفِ عَنْ الْإِلْغَاءِ.
(قَوْلُهُ: سَرَى لِنَصِيبِهِ) أَيْ لِنَصِيبِ الْوَكِيلِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا حَكَمَ بِالسِّرَايَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ) أَيْ وَهُوَ الْمُوَكَّلُ، وَقَوْلُهُ: هُنَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَوْ وَكَّلَهُ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَسَيَأْتِي) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَ بَاقِي الْعَبْدِ لِغَيْرِ الْمُوَكِّلِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ نِصْفُهُ وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ
(قَوْلُهُ: كِنَايَةً لِضَعْفِهَا) أَيْ الصِّيغَةِ، وَقَوْلُهُ: بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْفَاعِلُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ إذَا أَسْنَدَهُ لَهُ تَعَالَى كَانَ صَرِيحًا، وَمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَالْبَيْعِ إذَا أَسْنَدَهُ لِلَّهِ كَانَ كِنَايَةً، وَكَتَبَ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلَهُ بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا: أَيْ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ) أَيْ أَوْ أَطْلَقَ لِيُخَالِفَ مَا قَبْلَهُ
(قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافَهُ) أَيْ فَقَالَ: لَا يُعْتَقُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا) حَيْثُ قَصَدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لِلضَّارِبِ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ عَلَى الْحُرِّ وَأَطْلَقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ) أَيْ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْعِشَاءِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: كَانَ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَتَقَ بَاطِنًا وَإِلَّا عَتَقَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُصَنِّفِ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ: أَيْ لَا تَعْبِيرًا بِالْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ، وَهُوَ وَجْهٌ ثَانٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلِلْخِلَافِ ثَمَرَاتٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا ثَمَّ فَاَلَّذِي سَرَى إلَيْهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: فَاَلَّذِي يَسْرِي إلَيْهِ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَهِيَ الْمُنَاسَبَةُ لِلْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ السِّرَايَةِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا أَعْتَقْتُك) لَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِأَمَّا هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافَهُ) أَيْ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: وَبِفَرْضِ الْمُسَاوَاةِ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ الرَّادِّ وَهُوَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ وَبِفَرْضِ مُسَاوَاةِ مَا هُنَا لِمَا لَوْ