للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هُمَا اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ» وَفِي مُسْلِمٍ «لَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهِمَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» : أَيْ لِأَنَّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَنَّهُ إذَا عَمِلَ عَمَلًا دَاوَمَ عَلَيْهِ فَفَعَلَهُمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ قَضَاءً وَبَعْدَهُ نَفْلًا، فَلَيْسَ لِمَنْ قَضَى فِيهَا فَائِتَةً الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا وَجَعْلُهَا وِرْدًا.

وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْفَائِتَةَ تُفْعَلُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ نَعَمْ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْفَائِتَةِ لِيَقْضِيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ (وَ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ) وَرَكْعَتَيْ وُضُوءٍ (وَتَحِيَّةٍ) لِمَسْجِدٍ لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ بِقَصْدِهَا فَقَطْ (وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) وَتِلَاوَةٍ لَمْ يَقْرَأْ آيَتَهَا لِيَسْجُدَ وَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ وَبَعْضَهَا سَبَبُهُ مُقَارِنٌ إذْ نَحْوُ التَّحِيَّةِ وَالْكُسُوفِ مُعَرَّضٌ لِلْفَوَاتِ، وَمَنْ فَعَلَ صَلَاةً حُكِمَ بِكَرَاهَتِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَثِمَ وَلَمْ تَنْعَقِدْ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ، لِأَنَّ النَّهْيَ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْ لَازَمَهَا اقْتَضَى الْفَسَادَ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ، وَأَيْضًا فَإِبَاحَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا تُنَافِي حُرْمَةَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي إبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا لَا يَنْعَقِدُ إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّلَاعُبَ، وَفَارَقَ كَرَاهَةُ الزَّمَانِ كَرَاهَةَ الْمَكَانِ حَيْثُ انْعَقَدَتْ فِيهِ مَعَهَا بِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الزَّمَانِ يَذْهَبُ جُزْءٌ مِنْهُ فَكَانَ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا لِإِذْهَابِ هَذَا الْجُزْءِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ وَصْفٌ لَازِمٌ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ فِعْلٍ إلَّا بِإِذْهَابِ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ، وَأَمَّا الْمَكَانُ فَلَا يَذْهَبُ جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا يَتَأَثَّرُ بِالْفِعْلِ، فَالنَّهْيُ فِيهِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ مُجَاوِرٍ لَا لَازِمٍ فَحُقِّقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِاللُّزُومِ وَعَدَمِهِ، وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لِلْعِبَادِ تَقْتَضِي زَمَانًا وَمَكَانًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَازِمٌ لِوُجُودِ الْفِعْلِ، لَكِنَّ الزَّمَانَ كَمَا يَلْزَمُ الْمَاهِيَّةَ دُونَ الْمَكَانِ، وَلِهَذَا يَنْقَسِمُ الْفِعْلُ بِحَسَبِ انْقِسَامِ الزَّمَانِ إلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالْحَالِ، فَكَانَ أَشَدَّ ارْتِبَاطًا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَرْعٌ] تَذَكَّرَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ تَرْكَ فَائِتَةٍ عَمْدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا؟ قَالَ شَيْخُنَا طب: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَيْ لِأَنَّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَنَّهُ إلَخْ) قَالَ حَجّ: وَيَرُدُّهُ مَا يَأْتِي فِي مَعْنَى الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِهِ وَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَوْمِهِمْ عَنْ الصُّبْحِ قَضَى سُنَّتَهَا وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) أَيْ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَعِبَارَةُ حَجّ: أَمَّا إذَا تَحَرَّى إيقَاعَ صَلَاةٍ غَيْرِ صَاحِبَةِ الْوَقْتِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ إذَا عَلِمَ بِالنَّهْيِ وَقَصَدَ تَأْخِيرَهَا لِيَفْعَلَهَا فِيهِ فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَوْ فَائِتَةً يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لِلشَّرْعِ.

وَعَبَّرَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِمُرَاغِمٍ لِلشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِتَكْفِيرِهِمْ مَنْ قِيلَ لَهُ قُصَّ أَظْفَارَك فَقَالَ لَا أَفْعَلُهُ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ، فَإِذَا اقْتَضَتْ الرَّغْبَةُ عَنْ السُّنَّةِ التَّكْفِيرَ فَأَوْلَى هَذِهِ الْمُعَانَدَةُ وَالْمُرَاغَمَةُ.

وَيُجَابُ بِتَعَيُّنِ حَمْلِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ شَبَّهَ الْمُرَاغَمَةَ وَالْمُعَانَدَةَ لَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهِ حَقِيقَتُهَا، وَقَوْلُ جَمْعٍ الْمَكْرُوهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ لَا إيقَاعُهَا فِيهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بِالذَّاتِ الْإِيقَاعُ لَا التَّأْخِيرُ (قَوْلُهُ: يَذْهَبُ جُزْءٌ مِنْهُ) أَيْ يَذْهَبُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ جُزْءٌ هُوَ زَمَنُ الْفِعْلِ لَا أَنَّ الْفِعْلَ أَذْهَبَ بِذَاتِهِ شَيْئًا مِنْ الزَّمَانِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

جَمَاعَةٍ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ كَوْنِ هَذَا مِنْ السَّبَبِ الْمُقَارِنِ مَعَ أَنَّ السَّبَبَ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: إذْ نَحْوُ التَّحِيَّةِ، وَالْكُسُوفِ مُعَرَّضٌ لِلْفَوَاتِ) يُنْظَرُ مَا مَوْقِعُهُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَإِبَاحَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْلِ إلَخْ) ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِأَيْضًا أَنَّهُ تَوْجِيهٌ ثَانٍ لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ مَعَ الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ أَيْضًا لِيَكُونَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ مِنْ إثْبَاتِ الْإِثْمِ مَعَ الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ تَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ، وَالْحُرْمَةِ لَكَانَ وَاضِحًا، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْجِهَةَ مُنْفَكَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَنْقَسِمُ الْفِعْلُ إلَخْ) الْفِعْلُ الْمُنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ هُوَ الْفِعْلُ الِاصْطِلَاحِيُّ عِنْدَ النُّحَاةِ لَا الْفِعْلُ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى. .

<<  <  ج: ص:  >  >>