الظُّهْرِ وَفَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَوُقُوعُ أَوَّلِهَا نَفْلًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ بَاقِيهَا وَاجِبًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَكَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ أَوْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ شُفِيَ، لَكِنْ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ لِيُؤَدِّيَهَا فِي حَالِ الْكَمَالِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إتْمَامُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا وَقَعَ فِي حَالِ النُّقْصَانِ (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا فَلَا إعَادَةَ) لَازِمَةً لَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ كَانَتْ جُمُعَةً لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ كَمَا إذَا صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ثُمَّ عَتَقَتْ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تَجِبُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ نَفْلٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ كَمَا لَوْ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْخِطَابِ بِالْفَرْضِ لَا مُسْقِطَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ أَنَّ الصَّبِيَّ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ مَضْرُوبٌ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ وُجُوبُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ اشْتَرَطْنَا وُقُوعَهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَسَوَاءٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَكَانَ نَوَى الْفَرْضِيَّةَ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنَّ الْأَرْجَحَ عَدَمُ وُجُوبِهَا فِي حَقِّهِ.
نَعَمْ لَوْ صَلَّى الْخُنْثَى الظُّهْرَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا وَأَمْكَنَتْهُ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ (وَلَوْ حَاضَتْ) أَوْ نَفِسَتْ (أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (أَوَّلَ الْوَقْتِ) وَاسْتَغْرَقَ الْمَانِعُ بَاقِيَهُ (وَجَبَتْ تِلْكَ) الصَّلَاةُ لَا الثَّانِيَةُ الَّتِي تُجْمَعُ مَعَهَا (إنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَرْضِ) مَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ عُرُوضِهِ، فَالْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ نِسْبِيٌّ بِدَلِيلِ مَا أَعْقَبَهُ بِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَبَرُ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفَرِيضَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا فِي حَقِّهِ كَمَا سَيَأْتِي م ر وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
ثُمَّ رَأَيْت مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَسَوَاءٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وُقُوعُ بَاقِيهَا وَاجِبًا) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يُثَابَ عَلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ ثَوَابَ النَّفْلِ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ ثَوَابَ الْفَرْضِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ) أَيْ فَإِنَّ أَوَّلَهُ يَقَعُ نَفْلًا وَبَاقِيهِ وَاجِبًا، وَعَلَيْهِ فَيُثَابُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّذْرِ ثَوَابَ النَّفْلِ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَكِنْ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحَرِّمُ قَطْعَهَا وَاسْتِئْنَافَهَا لِكَوْنِهِ أَحْرَمَ بِهَا مُسْتَجْمِعَةً لِلشُّرُوطِ لِأَنَّهُ جَعَلَ اسْتِحْبَابَ الْقَطْعِ مُقَابِلًا لِلصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاةٍ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ حَيْثُ قِيلَ إنْ قَطَعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ بِأَنَّهُ ثُمَّ قِيلَ بِحُرْمَةِ إتْمَامِهَا فَكَانَ الْقَطْعُ أَفْضَلَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِهِ: أَيْ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْقَطْعَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ مُنْفَرِدًا (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ الْإِتْمَامِ (قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَتْهُ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ) لِتَبَيُّنِ كَوْنِهِ أَهْلَهَا مِنْ وَقْتِ عَقْدِهَا اهـ اهـ حَجّ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَأَمْكَنَتْهُ الْجُمُعَةُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ إذَا لَمْ تُمْكِنُهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ مُقْتَضَى تَبَيُّنِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِهَا وَقْتَ الْفِعْلِ بُطْلَانُ ظُهْرِهِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ: أَيْ لِلظُّهْرِ سَوَاءٌ أَمْكَنَتْهُ الْجُمُعَةُ أَمْ لَا وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ الَّتِي اتَّضَحَ فِي يَوْمِهَا بَلْ جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ الْقِيَاسُ وُجُوبُ إعَادَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الَّتِي وَقَعَتْ بَاطِلَةٌ هِيَ الْأُولَى وَمَا بَعْدَ الْأُولَى مِنْ صَلَوَاتِ الظُّهْرِ كُلِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ تَقَعُ قَضَاءً عَمَّا قَبْلَهَا قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَارِزِيِّ فِي الصُّبْحِ وَيَأْتِي هُنَا مَا نُقِلَ عَنْ م ر مِنْ نِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ وَنَفِسَتْ) أَيْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي فِعْلِهِ فَقِيلَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِي ضَبْطِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ) أَيْ لَفْظُ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ فِي كَلَامِهِ: أَيْ الْمُصَنَّفِ، وَقَوْلُهُ نِسْبِيٌّ: أَيْ إذْ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْآخَرَ دُونَ حَقِيقَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَ مَعَهَا فَرْضًا وَلَا رَكْعَةً (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ) أَيْ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. وَعِبَارَةُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ شُفِيَ) فِيهِ وَقْفَةٌ إذْ أَوَّلُهُ لَيْسَ بِنَفْلٍ وَإِنْ كَانَ جَائِزَ التَّرْكِ لِلْعُذْرِ كَمَا لَا يَخْفَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute