للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلِهَا لَوْ أَصْغَوْا إلَيْهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْ ظُهُورِ الشِّعَارِ كَمَا ذُكِرَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي أَنَّ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ يَكْفِي سَمَاعُ وَاحِدٍ لَهُ، لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِأَدَاءِ أَصْلِ سُنَّةِ الْأَذَانِ وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِأَدَائِهِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ.

قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبَا لِأَنَّهُمَا إعْلَامٌ بِالصَّلَاةِ وَدُعَاءٌ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ شِعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الْأَذَانِ. وَفِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ ذَاكَ دُعَاءٌ إلَى مُسْتَحَبٍّ وَهَذَا دُعَاءٌ إلَى وَاجِبٍ.

وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأَذَانِ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْجَمْعِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ لِلْجَمْعِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلِذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَبْرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ كَمَا ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَالِاسْتِقْبَالَ وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ (وَقِيلَ) كُلٌّ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ وَفِي تَرْكِهِمَا تَهَاوُنٌ، فَعَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهُمَا أَهْلُ بَلْدَةٍ قُوتِلُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ (وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ) مِنْ الْخَمْسِ خَرَجَ الْمَنْذُورَةُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَائِرُ النَّوَافِلِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: كَمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَذَّنَ فِي جَانِبٍ إلَخْ، غَيْرُ أَنَّ فِي إفَادَةِ هَذَا اعْتِبَارَ ظُهُورِ الشِّعَارِ زِيَادَةً عَلَى سَمَاعِهِمْ بِالْقُوَّةِ نَظَرًا (قَوْلُهُ: يَكْفِي سَمَاعٌ وَاحِدٌ لَهُ) ظَاهِرُهُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ.

وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ حُضُورُ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ فِي الَّذِي يَسْمَعُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْحُضُورُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبَا إلَخْ) أَيْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» (قَوْلُهُ: وَضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) أَيْ الْقِيَاسَ عَلَى الصَّلَاةِ جَامِعَةً (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ ذَاكَ) أَيْ الصَّلَاةَ جَامِعَةً (قَوْلُهُ: فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) قَدْ تُمْنَعُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ وَلَيْسَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْهُ وَإِنْ قِيلَ بِالْوُجُوبِ اهـ.

وَقَالَ سم عَلَى بَهْجَةٍ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ تَرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْجَمْعِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ كَالْجَمْعِ، وَإِنَّ تَرْكَهُ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ كَتَرْكِ ذِكْرِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ لَهُ لِعِلْمِهِ بِهَا اهـ.

وَأَشَارَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلتَّوَقُّفِ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ قَالُوا حَيْثُ جَعَلَهُ مُسَلَّطًا عَلَيْهَا، وَهُوَ خِلَافُ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ هُنَا حَيْثُ غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ، فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِقَالُوا وَعَنْ الْأَخِيرَيْنِ بِقَوْلِهِ: وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إلَخْ، هَذَا وَقَدْ يَمْنَعُ أَنَّ فِي تَرْكِ الْأَذَانِ لِثَانِيَةِ الْجَمْعِ دَلَالَةً عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا وَالَى بَيْنَ الصَّلَوَاتِ يَكْتَفِي بِأَذَانٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: قُوتِلُوا) أَيْ قِتَالُ الْبُغَاةِ لَا قِتَالُ الْمُرْتَدِّينَ، بِخِلَافِ ذَلِكَ: أَيْ التَّرْكِ عَلَى الْأَوَّلِ: أَيْ فَلَا يُقَاتِلُونَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ يُشَكِّلُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمُقَاتِلَةِ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ فِيهِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَفِيهِ شِعَارٌ ظَاهِرٌ إذَا تَرَكَهُ أَهْلُ بَلَدٍ قُوتِلُوا عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْجَمَاعَةِ لَعَلَّهُ شَدِيدُ الضَّعْفِ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ النَّوَافِلِ) شَمَلَ الْمُعَادَةَ فَلَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْأُولَى لِأَنَّهَا نَفْلٌ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْأُولَى سَنَّ الْأَذَانَ لَهَا لَمَّا قِيلَ إنَّ فَرْضَهُ الثَّانِيَةُ، وَفِي كَلَامِ سم عَلَى حَجّ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ.

وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى مَحَلٍّ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَوَجَدَ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبَعْدَ ذِكْرِهِ دَلِيلَ الْقَوْلِ الثَّانِي نَصَّهَا، وَهُوَ قَوِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَهُ جَمْعٌ فَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا بِحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ الشِّعَارُ، فَفِي بَلَدٍ صَغِيرَةٍ يَكْتَفِي بِمَحَلٍّ أَوْ كَبِيرَةٍ لَا بُدَّ مِنْ مَحَالٍّ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِي الْجَمَاعَةِ.

وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَهْلِهَا لَوْ أَصْغَوْا إلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا قِتَالَ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْ ظُهُورِ الشِّعَارِ كَمَا ذَكَرَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي أَنَّ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ يَكْفِي سَمَاعُ وَاحِدٍ لَهُ) أَيْ بِالْقُوَّةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ الْآتِي وَلِتَأَتِّي الْمُنَافَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>