للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِحُرْمَةِ نَظَرِهِمَا إلَيْهَا وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ الْخُنْثَى لِلرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَرَفَعَ فِي هَذِهِ صَوْتَهُ فَوْقَ مَا يُسْمِعُهُنَّ أَوْ الْخَنَاثَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِحُرْمَةِ نَظَرِ الْكُلِّ إلَيْهِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْإِمَامَةِ وَإِنْ نُوزِعَ فِي الْقِيَاسِ وَلَا فَرْقَ فِي الرِّجَالِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ إنَّهُ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ شِعَارِ الرِّجَالِ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا وَفِي رَفْعِهِنَّ الصَّوْتَ بِهِ تَشَبُّهً بِالرِّجَالِ. أَمَّا إذَا أَذَّنَ كُلٌّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِنَفْسِهِ أَوْ أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ لِلنِّسَاءِ كَانَ جَائِزًا غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ كَمَا مَرَّ. وَلَا يُشْكِلُ حُرْمَةُ أَذَانِهَا بِجَوَازِ غِنَائِهَا مَعَ اسْتِمَاعِ الرَّجُلِ لَهُ لِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ اسْتِمَاعُهُ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَالْأَذَانُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الرَّجُلُ بِاسْتِمَاعِ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ، بِخِلَافِ الْغِنَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَالْأَذَانَ عِبَادَةٌ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِيهَا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِي الْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النَّظَرُ إلَى الْمُؤَذِّنِ حَالَةَ أَذَانِهِ، فَلَوْ اسْتَحْبَبْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأُمِرَ السَّامِعُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ مِنْهَا إنَّمَا يُبَاحُ لِلْأَجَانِبِ الَّذِينَ يُؤْمَنُ افْتِتَانُهُمْ بِصَوْتِهَا، وَالْأَذَانُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يُحْكَمُ بِالْأَمْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ فَمُنِعَتْ مِنْهُ، وَفَارِقُ الرَّفْعِ هُنَا الرَّفْعُ بِالتَّلْبِيَةِ بِأَنَّ الْإِصْغَاءَ إلَيْهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنِ غِنَائِهَا وَأَذَانِهَا مِنْ قَوْلِنَا إنَّ الْأَذَانَ عِبَادَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا، وَمِنْ أَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ، وَمِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النَّظَرُ إلَى الْمُؤَذِّنِ عَدَمُ حُرْمَةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مُطْلَقًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يُسَنُّ النَّظَرُ لِلْمُؤَذِّنِ حَيْثُ أَذَّنَ لِلصَّلَاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ بِالدَّرْسِ حُرْمَةُ أَذَانِهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنَّ م ر سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ انْتَهَى. وَمَا نُقِلَ عَنْ م ر لَا يُفِيدُ حُرْمَةَ أَذَانِهَا وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ طَلَبِهِ مِنْهَا لِتِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَعَدَمُ الطَّلَبِ يَسْتَدْعِي الْحُرْمَةَ (قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ نَظَرِهِمَا) أَيْ الْمُسَبِّبُ عَنْ أَذَانِهَا فَإِنَّهُ يُسَنُّ النَّظَرُ إلَى الْمُؤَذِّنِ كَمَا يَأْتِي، وَهَلْ يُحَرَّمُ عَلَى سَامِعِهَا السَّمَاعُ فَيَجِبُ سَدُّ الْآذَانِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ سَمَاعُ الْغِنَاءِ مِنْهَا وَنَحْوِهِ إلَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَحَيْثُ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَهَلْ تُثَابُ أَمْ لَا كَمَا فِي الْجَهْرِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَطْلُوبَةٌ مِنْهَا شَرْعًا وَمُعَاقَبَةٌ عَلَى تَرْكِهَا فَأُثِيبَتْ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِقَابُ بِغَيْرِ حِرْمَانِ الثَّوَابِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ فَلَا تُثَابُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ) هِيَ قَوْلُهُ أَوْ النِّسَاءُ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ. وَيُشْكِلُ بِمَا قَدَّمَهُ فِي أَذَانِهِ لِلنِّسَاءِ حَيْثُ قَدْ قَيَّدَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مَعَ أَنَّهُنَّ يَحْرُمُ نَظَرُهُنَّ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ تَشْبِيهُ أَذَانِ الْخُنْثَى لِلْخَنَاثَى بِأَذَانِهِ لِلنِّسَاءِ فِي جَمِيعِ مَا قَدَّمَهُ، وَقَوْلُهُ لِحُرْمَةِ إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ أَذَانَهُ قَدْ يَجُرُّ إلَى نَظَرِ الرِّجَالِ إلَيْهِ فَلَا تَتَوَقَّفُ الْحُرْمَةُ عَلَى نَظَرِهِمْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ) أَيْ أَمَّا إذَا أَذَّنَتْ الْخُنْثَى لِلْخَنَاثَى فَيَحْرُمُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ، وَفِيهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ تَشْبِيهُ أَذَانِ الْخُنْثَى إلَخْ، وَقَوْلُهُ كَانَ جَائِزًا: أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ حَيْثُ أَذَّنَتْ بِقَدْرِ مَا يَسْمَعْنَ وَلَمْ تَقْصِدْ الْأَذَانَ الشَّرْعِيَّ، فَإِنْ رَفَعَتْ فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ أَرَادَتْ الْأَذَانَ الشَّرْعِيَّ حُرِّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ، وَجَعْلُ الْأَذَانِ عِبَادَةً لَا يَأْتِي بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَةَ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ فَلَعَلَّ لَهَا إطْلَاقَيْنِ أَوْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، فَمِنْهُمْ مِنْ اعْتَبَرَ فِي الْعِبَادَةِ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ، وَمِنْهُمْ مِنْ اعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ التَّوَقُّفَ عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْإِصْغَاءَ إلَيْهَا) أَيْ التَّلْبِيَةَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ أَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ) أَخَذَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَرَفَعَ فِي هَذِهِ صَوْتَهُ مَا يُسْمِعُهُنَّ) أَفْهَمَ عَدَمَ الْإِثْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ فَوْقِ الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ التَّعْلِيلِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ) لَعَلَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>