للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّفْظِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (وَوَفَى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (بِمَا الْتَزَمَهُ) وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَسْتَدْرِكُ عَلَى الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهُ خَالَفَ الْأَكْثَرِينَ، وَعَلَى الرَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ يَجْزِمُ فِي الْمُحَرَّرِ بِشَيْءٍ وَيَكُونُ بَحْثًا لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ.

وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَفَى بِحَسَبِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اسْتِدْرَاكَهُ التَّصْحِيحَ عَلَيْهِ فِي الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ وَبِأَنَّهُ وَفَى غَالِبًا، وَالْمَقَامُ مَقَامُ الْمُبَالَغَةِ فَنَزَّلَ الْقَلِيلَ جِدًّا مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ، وَبِأَنَّهُ يَجْزِمُ فِي الْمُحَرَّرِ بِشَيْءٍ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ كَالتَّقْيِيدِ لِمَا أَطْلَقُوهُ تَسَاهُلًا بِحَيْثُ لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِمْ لَقَبِلُوهُ لِكَوْنِهِ مُرَادَهُمْ مِنْ الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ تَصَانِيفِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ فَهِمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَنُصُّ إلَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ فَقَدْ أَخْطَأَ فَهْمُهُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي خُطْبَةِ الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ نَاصٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ مِنْ الْوُجُوهِ وَالْأَقَاوِيلِ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ لَا يَنُصُّ إلَّا عَلَى ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ مَا الْتَزَمَهُ (مِنْ أَهَمِّ) الْمَطْلُوبَاتِ (أَوْ) هُوَ (أَهَمُّ الْمَطْلُوبَاتِ) لِطَالِبِ الْفِقْهِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُصَحَّحِ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ وَجْهِ اخْتِصَارِهِ فَقَالَ (لَكِنْ فِي حَجْمِهِ) أَيْ مِقْدَارِ الْمُحَرَّرِ (كَبِرَ عَنْ حِفْظِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعَصْرِ) أَيْ زَمَانِهِ الرَّاغِبِينَ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ (إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) مِنْهُمْ فَلَا يَكْبَرُ: أَيْ يَعْظُمُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الْأَكْثَرِ بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ، وَأَمَّا الْأَقَلُّونَ فَلَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي كَلَامِهِ لَا فِي الْمُسْتَثْنَى وَلَا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا بِأَنْ يَكُونَ اسْتَثْنَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ مِنْ الْأَقَلِّينَ (فَرَأَيْت اخْتِصَارَهُ) بِأَنْ لَا يَفُوتَ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِهِ مِنْ الرَّأْيِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ: أَيْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ (فِي نَحْوِ نِصْفِ حَجْمِهِ) هُوَ صَادِقٌ بِمَا وَقَعَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ بِيَسِيرٍ، فَإِنَّ نَحْوَ الشَّيْءِ يُطْلَقُ عَلَى مَا سَاوَاهُ أَوْ قَارَبَهُ مَعَ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَالنِّصْفُ مُثَلَّثُ النُّونِ، وَيُقَالُ فِيهِ نَصِيفٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ قَبْلَ آخِرِهِ (لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَنْ يَرْغَبُ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ.

قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الْكِتَابُ يُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ وَيُبْسَطَ لِيُفْهَمَ، وَالِاخْتِصَارُ مَمْدُوحٌ شَرْعًا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُوتِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَ لِي الْكَلَامُ اخْتِصَارًا» (مَعَ مَا) أَيْ مَصْحُوبًا ذَلِكَ الْمُخْتَصَرَ بِمَا (أَضُمُّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي أَثْنَائِهِ وَبِذَلِكَ قَرُبَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَصْلِهِ كَمَا قِيلَ (مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ) أَيْ الْمُسْتَحْسَنَاتِ بَيَانٌ لِمَا سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ مَوْصُولًا اسْمِيًّا أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً (مِنْهَا) الضَّمِيرُ لِلنَّفَائِسِ أَوْ لِمَا فِي قَوْلِهِ مَا أَضُمُّهُ، وَاعْتُبِرَ الْمَعْنَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْبَيَانِ أَوْ لِلْمُبَيِّنِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ وَفِيٌّ بِحَسَبِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَفِي الْمُخْتَارِ: لِيَكُنْ عَمَلُك بِحَسَبِ ذَلِكَ بِالْفَتْحِ أَيْ عَلَى قَدْرِهِ وَعَدَدِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْوُجُوهِ) بَيَانٌ لِمَا (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ أَهَمُّ الْمَطْلُوبَاتِ) أَيْ بَلْ هُوَ وَيَصِحُّ كَوْنُهَا لِلتَّرْدِيدِ إبْهَامًا عَلَى السَّامِعِ وَتَنْشِيطًا لَهُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ وَلِلتَّنْوِيعِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الرَّاجِحِ مَذْهَبٌ مِنْ الْأَهَمِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحَاطَةَ لمدا بارك وَهِيَ الْأَهَمُّ لِمَنْ يُرِيدُ مُجَرَّدَ الْإِفْتَاءِ أَوْ الْعَمَلَ اهـ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ: أَيْ مِقْدَارُ الْمُحَرَّرِ) هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا فَالْحَجْمُ كَمَا فِي ابْنِ حَجَرٍ: جِرْمُ الشَّيْءِ النَّاتِئُ مِنْ الْأَرْضِ اهـ وَفِي الْمُخْتَارِ: حَجْمُ الشَّيْءِ حَيْدُهُ، يُقَالُ لَيْسَ لِمِرْفَقِهِ حَجْمٌ: أَيْ نُتُوءٌ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ فِي نَتَأَ فَهُوَ نَاتِئٌ ارْتَفَعَ وَبَابُهُ قَطَعَ وَخَضَعَ اهـ. فَقَوْلُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ حَجْمُ الشَّيْءِ النَّاتِئِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ اسْتَثْنَى بَعْضَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الَّذِي اسْتَثْنَاهُمْ مِنْ الْأَقَلِّ أَوْ نَفْسَ الْأَقَلِّ (قَوْلُهُ: وَاخْتُصِرَ لِي الْكَلَامُ إلَخْ) أَيْ جُعِلَ لِي قُدْرَةٌ عَلَى اخْتِصَارِ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ مَعَ مَا إلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى سَبْقِ الْخُطْبَةِ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ مَوْصُولًا) أَيْ إنْ فُرِضَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَاحَظَ نَفَائِسَ مَخْصُوصَةً

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ يُجْزَمُ) فِي الْمُحَرَّرِ هَذَا شُرُوعٌ فِي الْجَوَابِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الرَّافِعِيِّ الْمَارِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ فِيمَا مَرَّ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَصَّ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ جَوَابٌ آخَرُ عَنْ هَذَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ زَمَانِهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْمُصَنِّفِ، فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْعَصْرِ مُعَاقِبَةٌ الضَّمِيرَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَقَلِّينَ) مِنْ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>