امْتِنَاعِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِهَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَيَجُوزُ إذْ لَا يَبْعُدُ الْخَطَأُ فِيهِمَا بِخِلَافِهِ فِي الْجِهَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ مَحَارِيبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَاجِدِهِ.
أَمَّا هِيَ فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ، فَلَوْ تَخَيَّلَ حَاذِقٌ فِيهَا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَخَيَالُهُ بَاطِلٌ وَمَسَاجِدُهُ هِيَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا إنْ ضُبِطَتْ وَمَحَارِيبُهُ كُلُّ مَا ثَبَتَ صَلَاتُهُ فِيهِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ مَحَارِيبُ، وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا وَضَعَهُ الصَّحَابَةُ كَقِبْلَةِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَامِعِ مِصْرِ الْقَدِيمَةِ وَهُوَ الْجَامِعُ الْعَتِيقُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْصِبُوهَا إلَّا عَنْ اجْتِهَادٍ وَاجْتِهَادُهُمْ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِعَدَمِ انْحِرَافِهِ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي خَرِبَةٍ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْكُفَّارُ، وَكَذَا فِي طَرِيقٍ يَنْدُرُ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنُهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ نَالَهُ مَشَقَّةٌ فِي تَحْصِيلِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي أَمْرِهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالِاجْتِهَادُ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ جِهَةً وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ) يَعْنِي أَنَّهُ إنْ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَأٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِلَا وَحْيٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الْخَطَأُ لَكِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ فَهُوَ لِعِصْمَتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ الْخَطَأُ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا إلَّا أَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَشْرِيعٌ كَمَا فِي سَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَمَسَاجِدُهُ) الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمِحْرَابِ وَإِنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ هُنَا عَلَى ضَبْطِ مَا اسْتَقْبَلَهُ فِي صَلَاتِهِ، حَتَّى لَوْ عُلِمَتْ صَلَاتُهُ فِي مَكَان وَضُبِطَ خُصُوصُ مَوْقِفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ وَلَمْ يُضْبَطْ مَا اسْتَقْبَلَهُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ الِاجْتِهَادِ بَلْ يَجِبُ بَعْدَهُ الِاجْتِهَادُ (قَوْلُهُ: كَمَا ثَبَتَ صَلَاتُهُ فِيهِ) أَيْ وَلَوْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَجّ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ مَحَارِيبُ) إذْ الْمِحْرَابُ الْمُجَوَّفُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ حَدَثَ بَعْدَهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُكْرَهُ الدُّخُولُ فِي طَاقَةِ الْمِحْرَابِ، وَرَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ: وَلَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ فِي الطَّاقَةِ خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ (قَوْلُهُ: وَيَحُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ اعْتِمَادُ الْمِحْرَابِ الْمَذْكُورِ لِلشَّكِّ فِي بَانِيهِ الْمُفِيدِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ، وَيَجْتَهِدُ فِيهَا مُطْلَقًا جِهَةً وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ هُنَا وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي هَذِهِ وَإِنَّ كَثُرَ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ) قَالَ سم فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: قَوْلُهُ أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ إلَخْ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ اهـ.
وَهُوَ صَادِقٌ بِكَثْرَةِ مُرُورِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ كَثُرَ مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَوْلُهُ السَّابِقُ يَسْلُكُهُ الْمُسْلِمُونَ كَثِيرٌ صَادِقٌ مَعَ سُلُوكِ غَيْرِهِمْ أَيْضًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَيَحْتَاجُ لِحَمْلِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهَلْ الْأَوْجَهُ حَمْلُ هَذَا عَلَى ذَاكَ فَيُقَيَّدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُ: أَوْ يَسْتَوِي كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ الِاعْتِمَادِ هُنَا وَإِنْ كَثُرَ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُوَجِّهَ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَيُقَيِّدُ عَدَمَ اعْتِمَادِ مِحْرَابِ الْقَرْيَةِ الَّتِي اسْتَوَى مُرُورُ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ الْمُسْلِمُونَ، أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا نَظَرَ لِمُرُورِ الْكُفَّارِ مَعَهُمْ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَالْمِحْرَابِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَحَارِيبَ وَنَحْوَهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ.
وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ أَقْوَى بِدَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ مَعَ إخْبَارِهِ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً كَمَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ طب، بِخِلَافِ الْمَحَارِيبِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَإِلَّا يُمْكِنُهُ عِلْمُ عَيْنِهَا أَوْ أَمْكَنَهُ وَثَمَّ حَائِلٌ وَلَوْ حَادِثًا بِفِعْلِهِ لِحَاجَةٍ، لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِإِحْدَاثِهِ أَوْ زَالَ تَعَدِّيهِ فِيمَا يَظْهَرُ فِيهِمَا اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي مُخَالَفَةِ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْمِحْرَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَالَهُ مَشَقَّةٌ) قَالَ حَجّ: أَيْ عُرْفًا
[حاشية الرشيدي]
فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهُمْ الِاجْتِهَادَ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِدُورِ مَكَّةَ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي خَرِبَةٍ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُحْتَرَزَانِ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَارِيبِ جَادَّتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute