مِنْهُمَا، وَسُقُوطُهُ فِي النَّفْلِ دُونَهُمَا لَا يُنَافِي ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ أَطَاقَ الْقِيَامَ وَالِاضْطِجَاعَ دُونَ الْجُلُوسِ قَامَ لِأَنَّ الْقِيَامَ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَيَفْعَلُ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ الْإِيمَاءِ (وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ قَعَدَ) لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْإِجْمَاعِ (كَيْفَ شَاءَ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَثَوَابُ الْقَاعِدِ لِعُذْرٍ كَثَوَابِ الْقَائِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى قَبْلَ مَرَضِهِ لِكُفْرٍ أَوْ تَهَاوُنٍ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ.
نَعَمْ إنْ عَصَى بِنَحْوِ قَطْعِ رِجْلِهِ لَمْ يَتِمَّ ثَوَابُهُ وَإِنْ كَانَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا نَعْنِي بِالْعَجْزِ عَدَمَ الْإِمْكَانِ فَقَطْ بَلْ فِي مَعْنَاهُ: خَوْفُ الْهَلَاكِ، أَوْ الْغَرَقُ، أَوْ زِيَادَةُ الْمَرَضِ، أَوْ لُحُوقُ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ دَوَرَانُ الرَّأْسِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ.
قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَأَجَابَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ إذْهَابَ الْخُشُوعِ يَنْشَأُ عَنْ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالِانْحِنَاءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الرُّكُوعِ إلَى حَدِّ رُكُوعِهِ أَمْ لَا.
قَالَ أَبُو شُكَيْلٍ: لَا تَبْطُلُ إنْ كَانَ جَاهِلًا وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَإِذَا وَقَعَ الْمَطَرُ وَهُوَ فِي بَيْتٍ لَا يَسَعُ قَامَتَهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مُكْتَنٌّ غَيْرَهُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مَكْتُوبَةً بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ قُعُودًا أَمْ لَا، إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ كَمَا فُهِمَ مِنْ الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَقَامِ أَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ وَيُصَلِّي قَائِمًا فِي مَوْضِعٍ يُصِيبُهُ الْمَطَرُ، فَإِنْ قِيلَ بِالتَّرَخُّصِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو شُكَيْلٍ: إنْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ الَّتِي تَحْصُلُ عَلَيْهِ فِي الْمَطَرِ دُونَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ عَلَى الْمَرِيضِ لَوْ صَلَّى قَائِمًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ قَاعِدًا. نَعَمْ هَلْ الْأَفْضَلُ لَهُ التَّقْدِيمُ أَوْ التَّأْخِيرُ إنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا فِيهِ مَا فِي التَّيَمُّمِ فِي أُولِي الْوَقْتِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَطَرَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِهِ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا بَعْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِي ذَلِكَ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ فِي النَّافِلَةِ لَكِنَّهُ شُرِعَ فِيهَا عَلَى وَجْهِ أَدْوَنَ مِنْ رُكُوعِ الْقَائِمِ، فَكَانَ كُلٌّ مِنْ حَقِيقَةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ سَاقِطًا فِي النَّافِلَةِ، وَأَمَّا عَدَمُ سُقُوطِ السُّجُودِ فِي النَّافِلَةِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا حَالَةٌ دُونَهُ يُعَدُّ مَعَهَا سَاجِدًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقِيَامَ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ) يُتَأَمَّلُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقُعُودِ مُبَايِنَةٌ لِحَقِيقَةِ الْقِيَامِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ الْقُعُودَ يَشْتَمِلُ عَلَى انْتِصَابِ مَا فَوْقَ الْفَخِذَيْنِ وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْقِيَامِ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِانْتِصَابِ الْفَخِذَيْنِ مَعَ الظَّهْرِ (قَوْلُهُ: بِالِانْحِنَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَبْطُلُ وَعَلَيْهِ فَصُورَتُهُ أَنْ يُحْرِمَ قَاعِدًا وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَنْحَنِيَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ إلَى حَدِّ رُكُوعِهِ لَا عَلَى نِيَّةِ الرُّكُوعِ بَلْ تَتْمِيمًا لِلْقِيَامِ.
أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ مُنْحَنِيًا أَوْ انْحَنَى عَقِبَ إحْرَامِهِ وَقَرَأَ، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَإِنْ تَذَكَّرَ وَأَعَادَ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْجُلُوسِ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ وَاعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ وَإِنْ سَلَّمَ بَانِيًا عَلَى مَا فَعَلَهُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا هُوَ بَدَلُ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَتْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ عَالِمًا: أَيْ وَفَعَلَ ذَلِكَ لَا لِعُذْرٍ أَمَّا لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ كَأَنْ جَلَسَ مُفْتَرِشًا فَتَعِبَتْ رِجْلَاهُ فَأَرَادَ التَّوَرُّكَ فَحَصَلَ انْحِنَاءٌ بِسَبَبِ الْإِتْيَانِ بِالتَّوَرُّكِ فَلَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَكْتَنٌّ غَيْرَهُ) أَيْ مَكَانٌ يَكْتَنُّ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَطَرَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ) قَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الْمَطَرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ لَكِنْ فَقْدُ الْكِنِّ نَادِرٌ، كَمَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْبَيْضَاءِ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ لِنُدْرَةِ فَقْدِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَرْدُ غَيْرَ نَادِرٍ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ أَنَّ فَقْدَ الكن نَادِرٌ، وَهَلْ مِثْلُ الْمَطَرِ مَا لَوْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ فِيهِ فَصَلَّى قَاعِدًا أَمْ لِنُدْرَةِ الْحَبْسِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَطَرِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ) وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ الْعَرَّافِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الَّذِي رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي نُسَخٍ، وَجَمَعَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -