فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ، أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ ارْتَفَعَ لَهَا إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ، فَإِنْ انْتَصَبَ ثُمَّ رَكَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ، وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا انْتَقَلَ مُنْحَنِيًا وَمَنَعَهُ فِيمَا إذَا انْتَقَلَ مُنْتَصِبًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الرَّوْضَةِ الْجَوَازَ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَجْمُوعِ الْمَنْعَ، أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الِاعْتِدَالِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ قَامَ وَاطْمَأَنَّ، وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ أَرَادَ قُنُوتًا فِي مَحَلِّهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلَا يَطُولُ.
وَقَضِيَّةُ الْمُعَلَّلِ جَوَازُ الْقِيَامِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ مَنْعُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنْ قَنَتَ قَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
(وَلِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (النَّفَلُ قَاعِدًا) إجْمَاعًا رَاتِبًا كَانَ أَمْ غَيْرَهُ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ، فَاشْتِرَاطُ الْقِيَامِ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ أَوْ التَّرْكِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ لِنَدُورَهَا (وَكَذَا) لَهُ النَّفَلُ (مُضْطَجِعًا فِي الْأَصَحِّ) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ لِخَبَرِ «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا: أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَهُوَ وَارِدٌ فِيمَنْ صَلَّى النَّفَلَ كَذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَهَذَا فِي حَقِّنَا، أَمَّا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا، إذْ مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ تَطَوُّعَهُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا.
وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ مُضْطَجِعًا امْتِنَاعَ الِاسْتِلْقَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَتَمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، بِخِلَافِ الِانْحِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْقُعُودِ.
نَعَمْ إذَا قَرَأَ فِيهِ وَأَرَادَ جَعْلَهُ لِلرُّكُوعِ اُشْتُرِطَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُضِيَّ جُزْءٍ مِنْهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مُطْمَئِنٌّ لِيَكُونَ عَنْ الرُّكُوعِ إذْ مَا قَارَنَهَا لَا يُمْكِنُ حُسْبَانُهُ عَنْهُ، وَإِذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ تَامَّيْنِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ اضْطِجَاعٍ لِمَا فِيهِ مِنْ انْمِحَاقِ صُورَةِ الصَّلَاةِ.
وَسُئِلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ يُصَلِّي النَّفَلَ قَائِمًا هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكْثِرَ لِلْإِحْرَامِ حَالَ قِيَامِهِ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ وَتَنْعَقِدُ بِهِ صَلَاتُهُ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَكْبِيرَتُهُ الْمَذْكُورَةُ وَتَنْعَقِدُ بِهَا صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي حَالَةٍ أَدْنَى مِنْ حَالَتِهِ وَلَوْ فِي حَالِ اضْطِجَاعِهِ ثُمَّ يُصَلِّي قَائِمًا، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا أَفْتَى بِهِ سَابِقًا مِنْ إجْزَاءِ قِرَاءَتِهِ فِي هَوِيِّهِ لِلْجُلُوسِ دُونَ عَكْسِهِ، لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ إذْ لَا يَتِمُّ دُخُولُهُ فِيهَا إلَّا بِتَمَامِ تَكْبِيرَةٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ فَسُومِحَ هُنَا مَا لَمْ يُسَامَحْ بِهِ، ثُمَّ وَلَوْ أَرَادَ عِشْرِينَ رَكْعَةً قَاعِدًا وَعَشْرًا قَائِمًا فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعِشْرِينَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْقِيَامِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ إذَا انْتَقَلَ مُنْحَنِيًا (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ الْمُعَلَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ) هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: امْتِنَاعَ الِاسْتِلْقَاءِ) أَيْ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاضْطِجَاعِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُرُودِهِ) هَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَبِي شُكَيْلٍ مِنْ أَنَّ مَنْ يُصَلِّي بِالِانْحِنَاءِ قَاعِدًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الرُّكُوعِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالِمًا لَا جَاهِلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا مَرَّ مَفْرُوضٌ فِي الْفَرْضِ وَمَا هُنَا فِي النَّفْلِ، وَهُوَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي غَيْرِهِ، فَلَا تَعَارُضَ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا مَرَّ عَنْ أَبِي شُكَيْلٍ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ انْحِنَائِهِ فَلَا تَعَارُضَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الِانْحِنَاءِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ امْتِنَاعُ الِاسْتِلْقَاءِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إذَا قَرَأَ فِيهِ) أَيْ الِانْحِنَاءُ (قَوْلُهُ: بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ تَأْمِينٌ) أَيْ بِأَنْ يَقْعُدَ وَيَأْتِيَ بِهِمَا (قَوْلُهُ: قَبْلَ اعْتِدَالِهِ) أَيْ انْتِصَابِهِ قَائِمًا (قَوْله لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّفَلَ مِنْ قِيَامٍ فَأَحْرَمَ بِهِ جَالِسًا ثُمَّ أَرَادَ الْقِيَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي نُهُوضِهِ لِلْقِيَامِ لِأَنَّهُ صَائِرٌ لِأَكْمَلَ مِمَّا هُوَ فِيهِ.
أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَائِرًا لِمَا هُوَ أَكْمَلُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِجَوَازِ فِعْلِ النَّفْلِ جَالِسًا، فَصَيْرُورَتُهُ لِمَا هُوَ الْأَكْمَلُ لَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ فِي الْأَدْوَنِ، فَالْقِيَاسُ جَوَازُ قِرَاءَتِهِ فِي النُّهُوضِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الرُّكُوعِ
(قَوْلُهُ: فِي إجْزَاءِ قِرَاءَتِهِ فِي هَوِيِّهِ لِلْجُلُوسِ دُونَ عَكْسِهِ) وَالصُّورَةُ أَنَّهُ فِي النَّفْلِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْإِفْتَاءِ، وَفِيهِ