نَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْهُمَا مَعَ إمَامِهِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ أَتَمَّ إيضَاحٍ (قَرَأَهَا فِيهِمَا) حِينَ تَدَارَكَهُمَا (عَلَى النَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهَا، وَقِيلَ لَا كَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِمَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِاسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا، وَأَيْضًا فَالْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْجَهْرُ صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ أَخَفَّ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ حَيْثُ لَمْ يَقْرَأْهَا فِي أُولَيَيْهِ،
فَإِنْ قَرَأَهَا فِيهِمَا لِسُرْعَةِ قِرَاءَتِهِ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ قَرَأَهَا فِيهِمَا لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا أَوْ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ لَمْ يَقْرَأْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ (وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ) فِي جَهْرِيَّةٍ (بَلْ يَسْتَمِعُ) وَتُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَتُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ قِرَاءَتِهَا خَلْفَهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] وَالِاسْتِمَاعُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّهِ تَأْخِيرُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ إلَى مَا بَعْدَ فَاتِحَةِ إمَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لِبُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: يُقَدِّرُ ذَلِكَ بِالظَّنِّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا يَقُولُهُ غَيْرُ السَّامِعِ فِي زَمَنِ سُكُوتِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يُطِيلُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ الْوَارِدِ فِي الْأَحَادِيثِ أَوْ يَأْتِي بِذِكْرٍ آخَرَ، أَمَّا السُّكُوتُ الْمَحْضُ فَبَعِيدٌ، وَكَذَا قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَيَتَعَيَّنُ اسْتِحْبَابُ أَحَدِ هَذَيْنِ (فَإِنْ) لَمْ يَسْتَمِعْ قِرَاءَتَهُ كَأَنْ (بَعُدَ) عَنْ إمَامِهِ أَوْ كَانَ أَصَمَّ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَمْ يَفْهَمْهُ (أَوْ كَانَتْ) صَلَاتُهُ (سِرِّيَّةً) وَأَسَرَّ فِيهَا إمَامُهُ أَوْ جَهْرِيَّةً وَلَمْ يَجْهَرْ فِيهَا كَمَا مَرَّ (قَرَأَ) الْمَأْمُومُ السُّورَةَ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ سُكُوتُهُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ، وَيُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ جَهْرٌ فِي صُبْحٍ وَأُولَيَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ وَإِمَامٌ فِي جُمُعَةٍ لِلِاتِّبَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ فِي الْإِمَامِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْمُنْفَرِدُ، وَيُسِرُّ كُلٌّ مِنْهُمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ فِي الْمُؤَدَّاةِ أَمَّا الْفَائِتَةُ فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِوَقْتِ الْقَضَاءِ فَيَجْهَرُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا وَيُسِرُّ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ طَلَعَتْ أَسَرَّ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً وَهُوَ الْأَوْجَهُ.
نَعَمْ يُسْتَثْنَى صَلَاةُ الْعِيدِ فَيَجْهَرُ فِي قَضَائِهَا كَالْأَدَاءِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَجْهَرَانِ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا أَجْنَبِيٌّ وَيَكُونُ جَهْرُهُمَا دُونَ جَهْرِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ يَسْمَعُهُمَا كُرِهَ بَلْ يُسِرَّانِ، فَإِنْ جَهَرَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمَا.
وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْخُنْثَى يُسِرُّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَرَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَهْرُ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَيَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِهِمَا عَلَى إسْرَارِهِ حَالَ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيَجْهَرُ فِي نَحْوِ عِيدٍ وَخُسُوفِ قَمَرٍ وَاسْتِسْقَاءٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَخَرَجَ بِهَا مَا لَوْ فَعَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي قَبْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَامِسُ الرُّكُوعُ (قَوْلُهُ: بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا) أَيْ وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يُسَنُّ فِعْلُ كَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ صَادِقٌ بِكَوْنِ الْفِعْلِ مُبَاحًا وَالثَّانِيَ مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِيهِمَا وَلَمْ يَفْعَلْ قَرَأَهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ التَّبْصِرَةِ مَتَى أَمْكَنَ الْمَسْبُوقَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي أُولَتَيْهِ لِنَحْوِ بُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ قَرَأَهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ وَلَا يُعِيدُهَا فِي آخِرَتَيْهِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا مَعَهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَ فَتَرَكَ عُدَّ مُقَصِّرًا فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ تَدَارُكٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ) أَيْ بَعِيدٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ (قَوْلُهُ: أَحَدُ هَذَيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ يُطِيلُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ، وَقَوْلُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذِكْرٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: فَيَجْهَرَانِ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا)
[حاشية الرشيدي]
قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْخَامِسُ الرُّكُوعُ، وَالْفَرْضُ لَا دَخْلَ لِنِيَّةِ ذَلِكَ، وَعَدَمِ نِيَّتِهِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute