أَيْ يُسْتَحَبُّ (الْقُنُوتُ) مَعَ مَا مَرَّ أَيْضًا (فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ) أَيْ بَاقِيهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ (لِلنَّازِلَةِ) إذَا نَزَلَتْ بِأَنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَوْ وَاحِدًا عَلَى مَا بَحَثَهُ جَمْعٌ، لَكِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ تَعَدِّي نَفْعَهُ كَأَسْرِ الْعَالِمِ وَالشُّجَاعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الْخَمْسِ فِي اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ يَدْعُو عَلَى قَاتِلِ أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» وَالدُّعَاءُ كَانَ لِدَفْعِ تَمَرُّدِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا بِالنَّظَرِ لِلْمَقْتُولَيْنِ لِانْقِضَاءِ أَمْرِهِمْ وَعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِمْ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَعَرُّضِهِ فِي هَذَا الْقُنُوتِ بِالدُّعَاءِ لِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ، وَسَوَاءٌ فِيهَا الْخَوْفُ مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ وَلَوْ مُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْقَحْطُ وَالْجَرَادُ وَنَحْوُهَا كَالْوَبَاءِ وَكَذَا الطَّاعُونُ كَمَا يَمِيلُ إلَيْهِ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ أَخْذًا مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بِصَرْفِهِ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» ، وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِبَعْضِهِمْ، وَأَشَارَ لِرَدِّ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ الْمُتَّجَهُ عِنْدِي الْمَنْعُ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَلَمْ يَقْنُتُوا لَهُ حَيْثُ قَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنْ النَّوَازِلِ الْعِظَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَوْتِ غَالِبِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعَطُّلِ كَثِيرٍ مِنْ مَعَايِشِهِمْ، وَشَهَادَةُ مَنْ مَاتَ بِهِ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ نَازِلَةً، كَمَا أَنَّا نَقْنُتُ عِنْدَ نَازِلَةِ الْعَدُوِّ وَإِنْ حَصَلَتْ الشَّهَادَةُ لِمَنْ قُتِلَ مِنْهُ، وَعَدَمُ نَقْلِهِ عَنْ السَّلَفِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ إيثَارًا لِطَلَبِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ يُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يَنْزِلْ بِهِمْ الدُّعَاءُ لِمَنْ نَزَلَ بِهِمْ اهـ.
وَيُسْتَحَبُّ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ نَائِبُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَامِعِ فَإِنْ أَمَرَ بِهِ وَجَبَ، وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدْعُو بِمَا يُحِبُّ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا يَأْتِيَانِ بِهِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ مَا مَرَّ أَيْضًا) أَيْ مِنْ الذِّكْرِ الْمَطْلُوبِ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَهُوَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ إلَخْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَتْنُ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَاحِدًا) خَرَجَ بِهِ الِاثْنَانِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَقْنُتُ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَفْعٌ مُتَعَدٍّ (قَوْلُهُ عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْقُنُوتِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ دَفْعَ تَمَرُّدِ الْقَاتِلِينَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ الْآتِيَ وَالدُّعَاءُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ) أَيْ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى قُنُوتِ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ عَنْهُ الدُّعَاءُ عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُنُوتِ الْوَارِدَةِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قُنُوتِ الصُّبْحِ فِي النَّازِلَةِ اكْتَفَى بِهِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهِ) أَيْ الطَّاعُونِ (قَوْلُهُ: فِي زَمَنِ عُمَرَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ أَوَّلَ وُقُوعِهِ فِي زَمَنِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَهُوَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ بِالْعَيْنِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَمَوَاسُ بِالْفَتْحِ بَلْدَةٌ بِالشَّامِ بِقُرْبِ الْقُدْسِ وَكَانَتْ قَدِيمًا مَدِينَةً عَظِيمَةً وَطَاعُونُ عَمَوَاسَ كَانَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ. وَلَعَلَّ نِسْبَةَ الطَّاعُونِ لَهَا لِابْتِدَاءِ ظُهُورِهِ فِيهَا (وَقَوْلُهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ) أَيْ فِي أَنَّهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَيُحْتَمَلُ) أَيْ فَلَا يَرِدُ عَدَمُ إجَابَةِ مُعَاذٍ لَهُمْ فِي الدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ حِينَ سَأَلُوهُ لِمَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّ طَلَبَهُمْ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، إذْ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَمَا سَأَلُوهُ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ جَمَاعَةً مِنْ أَكَابِرِهِمْ الْمَعْرُوفِينَ بِالْعِلْمِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ، بَلْ عَدَمُ نَهْيِ مُعَاذٍ لَهُمْ عَنْ سُؤَالِهِمْ مَعَ مَا قِيلَ فِي حَقِّهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مُنْكَرٍ، فَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا عِنْدَهُ لَبَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَهُ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ) أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِلْمَسَاجِدِ، وَأَمَّا مَا يَطْرَأُ مِنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فَلَا يُسْتَحَبُّ مُرَاجَعَتُهُ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِهِ) وَلَعَلَّهُ إنَّمَا طَلَبَ الْجَهْرَ مِنْ الْمُنْفَرِدِ هُنَا، بِخِلَافِ قُنُوتِ الصُّبْحِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ لِرَفْعِ الْبَلَاءِ
[حاشية الرشيدي]
وَعِبَارَةُ الْإِمْدَادِ وَلَا نَظَرَ؛ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ نَظْمُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ صَرَفَتْهُ عَنْهُ وَصَيَّرَتْهُ كَاللَّفْظِ الْأَجْنَبِيِّ انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ كَانَ لِدَفْعِ تَمَرُّدِهِمْ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ قُنُوتَ النَّازِلَةِ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ أَمْرٍ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَا شَاهِدَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي أَمْرٍ انْقَضَى، وَعَمَّا يُقَالُ: إنَّ وَسِيلَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْطُوعٌ بِقَبُولِهَا فَكَيْفَ دَعَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute