وَأَنَّهُ لَمَّا تَرَقَّى فَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ وَأَتَى بِنِهَايَةِ الْخِدْمَةِ أَذِنَ لَهُ فِي الْجُلُوسِ فَسَجَدَ ثَانِيًا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ إيَّاهُ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ فِيهِ وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ حَقِيقٌ بِالْإِجَابَةِ سَجَدَ ثَانِيًا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى إجَابَتِنَا لِمَا طَلَبْنَاهُ، كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِيمَنْ سَأَلَ مَلِكًا شَيْئًا فَأَجَابَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى السَّمَاءِ فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَائِمًا سَلَّمَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ كَانَ رَاكِعًا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ سَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ، فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ حَالٌ إلَّا وَجَعَلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَالًا هُوَ مِثْلُ حَالِهِمْ، وَلِأَنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْضِ وَسَيَعُودُ إلَيْهَا (وَالْمَشْهُورُ سَنُّ) (جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ) لِلِاسْتِرَاحَةِ (بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا) بَعْدَ سُجُودٍ لِغَيْرِ تِلَاوَةٍ وَقَبْلَ قِيَامٍ بِقَدْرِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا خَبَرُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ اسْتَوَى قَائِمًا» فَغَرِيبٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ.
وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ لِخَبَرِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ الْآتِي، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّفُ الْمَأْمُومِ لِأَجْلِهَا وَإِنْ كُرِهَ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، بَلْ إتْيَانُهُ بِهَا حِينَئِذٍ سُنَّةٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ تَخَلَّفَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ بَطِيءَ النَّهْضَةِ وَالْإِمَامُ سَرِيعُهَا وَسَرِيعَ الْقِرَاءَةِ بِحَيْثُ يَفُوتُهُ بَعْضُ الْفَاتِحَةِ لَوْ تَأَخَّرَ لَهَا حَرُمَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ، وَلَا تُسَنُّ لِلْقَاعِدِ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ يَقُومُ عَنْهَا وَيَظْهَرُ سَنُّهَا فِي مَحَلِّ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عِنْدَ تَرْكِهِ، وَفِي غَيْرِ الْعَاشِرَةِ لِمَنْ صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ مَثَلًا بِتَشَهُّدٍ، وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهَا عَلَى الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى قَوْلِ رَبِّ هَبْ لِي قَلْبًا إلَخْ وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ: أَيْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُؤَخَّرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَاعْفُ عَنِّي (قَوْلُهُ: شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ) أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْخِدْمَةِ الَّتِي طَلَبَهَا مِنْهُ بِأَنْ أَعَانَهُ عَلَى وَفَائِهَا وَالْفَرَاغِ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جِلْسَةٍ) لَمْ يُبَيِّنْ كحج مَاذَا يَفْعَلُهُ فِي يَدَيْهِ حَالَةَ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَضَعَهُمَا قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْجُلُوسِ) ضَبْطٌ لِلْجِلْسَةِ الْخَفِيفَةِ، وَالْمُرَادُ أَصْلُ الْجُلُوسِ لَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُطَوِّلَهَا بِقَدْرِ الْجُلُوسِ الْمَطْلُوبِ بِالذِّكْرِ الْوَارِدِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فِي عَشَرَةٍ) أَيْ مَعَ عَشَرَةٍ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَشَرَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: ٣٨] أَيْ مَعَ أُمَمٍ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ فِي آخِرِهِ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْجَامِعِ أَنَّهُ بِجِيمٍ ثُمَّ حَاءٍ لَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْبَكْرِيَّ ذَكَرَ مَا قُلْتُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَسِيرٌ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ طَوَّلَهَا ضَرَّ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَالْأَوْجَهُ (قَوْلُهُ: بَلْ إتْيَانُهُ إلَخْ) يُخَالِفُ قَوْلَهُ قَبْلُ وَإِنْ كُرِهَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَخَلُّفُ الْمَأْمُومِ وَإِنْ طَوَّلَهُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ التَّطْوِيلَ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، فَيَكُونُ أَصْلُ التَّخَلُّفِ سُنَّةً وَلَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهُ لَهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، أَوْ يُقَالُ الْمَعْنَى وَإِنْ كُرِهَ التَّخَلُّفُ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ إسْقَاطَ قَوْلِهِ وَإِنْ كُرِهَ وَعَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا قَامَ لَا يَكُونُ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ بَلْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَأْتِي فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْمَسْبُوقِ إذَا اشْتَغَلَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ.
(قَوْلُهُ: عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ) أَيْ بِالتَّطْوِيلِ وَظَاهِرُهُ إنْ طَالَ جِدًّا (قَوْلُهُ: لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ التَّطْوِيلُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَرَوَى أَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَائِمًا سَلَّمُوا عَلَيْهِ قِيَامًا ثُمَّ رَكَعُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ رَاكِعًا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنْ الرُّكُوعِ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَاجِدًا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ رُؤْيَتِهِ، فَلِذَلِكَ صَارَ السُّجُودُ مَثْنَى مَثْنَى فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ إلَخْ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْقُرْطُبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute