«كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» إلَى آخِرِهِ فَالتَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ وَالْأَمْرِ ظَاهِرَانِ فِي الْوُجُوبِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجُلُوسُ لَهَا فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْقُبْهُمَا سَلَامٌ (فَسُنَّتَانِ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَالصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِهِمَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَلَمْ يَجْلِسْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ» فَدَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِمَا (وَكَيْفَ قَعَدَ) فِي جِلْسَاتِ صَلَاتِهِ (جَازَ) وَلَكِنْ (يُسَنُّ فِي) جُلُوسِ تَشَهُّدِهِ (الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ) بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ (وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ) أَيْ قَدَمَهَا (وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ) أَيْ بُطُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَرُءُوسُهَا (لِلْقِبْلَةِ) لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَبُّعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَانٌ لِلْجَوَازِ.
(وَ) يُسَنُّ (فِي) التَّشَهُّدِ (الْأَخِيرِ) وَمَا انْضَمَّ إلَيْهِ (التَّوَرُّكُ وَهُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
حَذْفَ الْفَاءِ مِنْ جَوَابِ الشَّرْطِ الْأَسْمَى وَهُوَ قَلِيلٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأُشْمُونِيُّ عَنْ ابْنِ النَّاظِمِ وَبِأَنَّ الْمُبَرِّدَ أَجَازَهُ فِي الِاخْتِيَارِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا.
وَالْأَصْلُ فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ رُكْنَانِ إنْ عَقِبَهُمَا سَلَامٌ وَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ الْفَاءُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَرُكْنَانِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: كُنَّا نَقُولُ) اُنْظُرْ هَلْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَلْ الْجُلُوسُ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْآخِرِ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا) اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ فَرْضَ التَّشَهُّدِ مُتَأَخِّرًا عَنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَصَلَاةُ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْجُلُوسُ فِيهَا مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا بِغَيْرِ ذِكْرٍ رَمْلِيٌّ اهـ زِيَادِيٌّ.
وَانْظُرْ فِي أَيِّ سَنَةٍ فُرِضَ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الْقَلْيُوبِيِّ عَنْ الْمَحَلِّيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ إلَخْ: أَيْ قَبْلَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيِّنُ اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا بَحْثٌ مِنْهُ وَلَا دَخْلَ لِلْبَحْثِ فِي مِثْلِهِ، وَقَوْلُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ بِغَيْرِ ذِكْرٍ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ ذِكْرٍ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ خُصُوصِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنَّ ثَمَّ ذِكْرًا غَيْرَهُ وَاجِبًا (قَوْلُهُ قَبْلَ عِبَادِهِ) اُنْظُرْ هَلْ كَانَتْ مِنْ جُمُعَةِ صِيغَتِهِمْ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا أَوْ الْمُرَادُ مِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَقَطْ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْأَقْرَبُ هُوَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَالتَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ وَلَكِنْ قُولُوا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْجُلُوسُ لَهَا) لَمْ يَجْعَلْ الْمُصَنِّفُ لِجُلُوسِ الصَّلَاةِ حُكْمًا مُسْتَقِلًّا، فَلَعَلَّهُ أَدْرَجَهُ فِي قُعُودِ التَّشَهُّدِ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ عَنْهُ خَارِجًا وَلِاتِّصَالِهِ بِهِ (قَوْلُهُ: فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ) أَيْ فَرَغَ مِمَّا يُطْلَبُ قَبْلَ السَّلَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ قَبْلَ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ فَيَجْلِسُ) الْفَاءُ لِلتَّفْسِيرِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ) هَذِهِ الْمَسْنُونَاتُ هَلْ تُسَنُّ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّشَهُّدَ أَيْضًا؟ الْوَجْهُ نَعَمْ، وَهَلْ تُسَنُّ لِلْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا إنْ أَمْكَنَ؟ الْوَجْهُ نَعَمْ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَلِلتَّشَبُّهِ بِالْقَادِرِينَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَفِيهِ عَلَى حَجّ: هَلْ يَطْلُبُ مَا يُمْكِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ أَجْرَى الْأَرْكَانَ عَلَى قَلْبِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ طَلَبُ ذَلِكَ وَالْمُتَّجَهُ أَيْضًا طَلَبُ وَضْعِ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مِنْهُمَا جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُوَ وَجَوَابُهُ خَبَرُ قَوْلِهِ وَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ بَلْ الْمُتَبَادَرُ أَنَّ قَوْلَهُ رُكْنَانِ هُوَ خَبَرُ قَوْلِهِ وَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ) بِالرَّفْعِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّعْبِيرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةُ فِي قَوْلِهِ ظَاهِرَانِ، وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ التَّعْبِيرُ فِي الْخَبَرِ بِمَادَّةِ الْأَمْرِ