وُجُوبُهَا فِيهَا وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً فِي غَيْرِهَا مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ لَمْ يَنْظُرْ لِقَوْلِ الْحَلِيمِيِّ وَجَمَعَ بِهِ، وَمَعَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِهَا فِيهَا لِدَلِيلَيْنِ، وَصَحَّ «أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ» إلَى آخِرِهِ، خَرَجَ الزَّائِدُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ وُجُوبُهَا، وَصَحَّ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ مِنْ الدُّعَاءِ» وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «يَتَشَهَّدُ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بَعْدُ» فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِهَا وَمَحَلِّهَا.
وَرَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ تَرَكَهَا فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ شَذَّ حَيْثُ أَوْجَبَهَا وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي سُنَّةٍ فِي ذَلِكَ يَتَّبِعُهَا فَقَدْ غَلِطَ، إذَا إيجَابُهَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَصْلَحَةً رَاجِحَةً، بَلْ وَافَقَهُ عَلَى قَوْلِهِ عِدَّةٌ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ كَعُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ وَالشَّعْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ الْأَخِيرُ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلٌ لِمَالِكٍ، وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سِرَاجِ الْمَرِيدِينَ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يُوجِبُونَهَا فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهُ مَحْجُوجٌ (قَوْلُهُ وَجَمَعَ بِهِ) أَيْ أَنَّهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِهَا) وَهَلْ الْقَائِلُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً أَوْ كُلَّمَا ذَكَرَ يُجْرِيهِ فِي السَّلَامِ أَيْضًا بِدَلِيلِ كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ فِيهَا أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ فِي وُجُوبِهَا دُونَ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: لِدَلِيلَيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ صَلُّوا عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَلِيمِيُّ كَغَيْرِهِ عَلَى وُجُوبِهَا مُطْلَقًا، أَوْ قَوْلُهُ وَصَحَّ أَمَرَنَا اللَّهُ إلَخْ وَلَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ رَبِّهِ) أَيْ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْقِرَاءَةِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْدِ الثَّنَاءُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ لُغَةً، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ وَالثَّنَاءُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْعَلْقَمِيُّ قَوْلَهُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ» : أَيْ فِي تَشَهُّدِهِ إذَا جَلَسَ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنْت أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْت بَدَأْت بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ دَعَوْت لِنَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَلْ تُعْطَهُ» اهـ.
وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْعَلْقَمِيُّ قَوْلُهُ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: يُوجِبُونَهَا فِي التَّشَهُّدِ) قَالَ الزِّيَادِيُّ: بَلْ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ غَيْرُ النَّخَعِيّ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا
[حاشية الرشيدي]
بِأَوْ لِيَكُونَ جَوَابًا ثَانِيًا (قَوْلُهُ: وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ) يَعْنِي: بِأَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالضَّمِيرُ فِي لِوُجُوبِهَا مَرَّةً: أَيْ، وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَنْظُرُ إلَى قَوْلِ الْحَلِيمِيِّ، وَالْجَمْعُ الْمَذْكُورُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَحْجُوجُونَ بِالْإِجْمَاعِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى الشِّهَابِ حَجّ فِي الْإِمْدَادِ حَيْثُ نَظَرَ فِي كَوْنِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ مَحْجُوجًا بِالْإِجْمَاعِ بِأَنَّهُ قَالَ بِهِ الْحَلِيمِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ وَعِبَارَتُهُ، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً فِي غَيْرِهَا مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ بِهِ الْحَلِيمِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ: وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ، فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِهَا خَارِجَهَا وَفِيهَا لِدَلِيلَيْنِ انْتَهَى.
وَظَاهِرٌ أَنَّ إيرَادَهُ هَذَا عَقِبَ النَّظَرِ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ تَقْوِيَةٌ لَهُ كَمَا هُوَ حَقُّ السِّيَاقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهِ، فَلَا مَانِعَ إلَخْ، فَهُوَ بِخِلَافِ مَا يُفْهِمُهُ سِيَاقُ الشَّارِحِ، فَلْيُنْظَرْ مَا مُرَادُهُمَا بِهَذَا وَمَا مُرَادُهُمَا بِالدَّلِيلَيْنِ. وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ هُنَا مَا لَا يُشْفَى، إذْ حَاصِلُهُ مُحَاوَلَةُ تَحْصِيلِ دَلِيلَيْنِ يَنْزِلُ عَلَيْهِمَا كَلَامُهُمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ارْتِبَاطِ الْكَلَامِ بِبَعْضِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ رَبِّهِ إلَخْ) أَعْقَبَ هَذَا فِي الْإِمْدَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي هَذِهِ السِّوَادَةِ عِبَارَتُهُ بِمَا لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ إلَّا بِهِ، وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ ذَاتُ الْأَرْكَانِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْبَغَوِيّ فِي الْمَصَابِيحِ «إذَا صَلَّيْت فَقَعَدْت فَاحْمَدْ اللَّهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute