للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حَقِّهِ تَعَالَى غَايَتُهَا الْمَارَّةُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْزَلُ الْخَلْقِ حَظًّا مِنْهَا، وَحُصُولُهُ لَا يَمْنَعُ طَلَبَهَا لَهُ كَالصَّلَاةِ وَالْوَسِيلَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ عَوْدِ الْفَائِدَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزِيَادَةِ تَرِقِّيهِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالدَّاعِي بِزِيَادَةِ ثَوَابِهِ عَلَى ذَلِكَ (سُنَّةٌ فِي) التَّشَهُّدِ (الْآخَرِ) بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَا تُسَنُّ فِيهِ كَمَا لَا تُسَنُّ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ وَالْإِمَامُ وَلَوْ لِمَحْصُورِينَ لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ.

(وَكَذَا) يُسَنُّ (الدُّعَاءُ بَعْدَهُ) أَيْ التَّشَهُّدِ الْآخَرِ بِمَا شَاءَ مِنْ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَاَللَّهُمِ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ لِخَبَرِ «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ» بَلْ نُقِلَ عَنْ مُقْتَضَى النَّصِّ كَرَاهَةُ تَرْكِهِ، وَلَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ مَحْظُورٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الشَّامِلِ، ثُمَّ مَحَلُّ طَلَبِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ مَا لَمْ يَضِقْ وَقْتُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: الْمَارَّةَ أَوَّلَ الْكِتَابِ) أَيْ وَهِيَ الْإِنْعَامُ أَوْ إرَادَتُهُ (قَوْلُهُ: وَالدَّاعِي) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا يُسَنُّ الدُّعَاءُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِإِمَامِ غَيْرِ مَحْصُورِينَ: أَوْ مَحْصُورِينَ لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ، وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ إمَامُ مَنْ مَرَّ عَلَى التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الزِّيَادَةَ عَلَى التَّشَهُّدِ، فَأَفَادَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ لِلْإِمَامِ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ عَلَى الْإِرْشَادِ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ: وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهَا: أَيْ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ هُنَا وَفِي غَيْرِهَا.

نَعَمْ يُسَنُّ لِغَيْرِ الْمُنْفَرِدِ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ هُنَا أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ اهـ (قَوْلُهُ كَاَللَّهُمِ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ) زَادَ حَجّ: وَقَالَ جَمْعٌ إنَّهُ بِالْأَوَّلِ سُنَّةٌ وَبِالثَّانِي مُبَاحٌ اهـ.

وَخَصَّ الْجَارِيَةَ الْحَسْنَاءَ بِالذِّكْرِ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ طَلَبَهَا مُبْطِلٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ مَحْظُورٍ) وَلَيْسَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَحْظُورِ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي الْقُنُوتِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَهْلِكْ اللَّهُمَّ مَنْ بَغَى عَلَيْنَا وَاعْتَدَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ.

فَأَشْبَهَ لَعْنَ الْفَاسِقِينَ وَالظَّالِمِينَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِهِ فَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِهِ دُونَ اللَّعْنَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الظَّالِمَ الْمُعْتَدِيَ يَجُوزُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ شَخْصٍ خَيَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْقَاصِرَةُ انْعِكَاسَ الزَّمَنِ، وَأَنَّ مِنْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى شَخْصٍ يَدْعُو لَهُ لِيَنْعَكِسَ الْحَالُ وَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ إيصَالِ الضَّرَرِ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ مُعْتَقِدًا لَهُ وَقَاصِدًا لَهُ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْبُطْلَانُ بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ دُعَاءٌ بِمُحَرَّمٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ الدَّالَ عَلَى طَلَبِ شَيْءٍ فِي طَلَبِ ضِدِّهِ وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَإِطْلَاقِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ هُنَا: اللَّهُمَّ ارْحَمْ فُلَانًا قَاصِدًا مَا تَقَدَّمَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّهُمَّ لَا تَرْحَمْهُ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ قَلَّ أَنْ يُوجَدَ.

وَقَالَ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: فَائِدَةٌ: وَقَدْ يَكُونُ أَيْ الدُّعَاءُ حَرَامًا، وَمِنْهُ طَلَبُ مُسْتَحِيلٍ عَقْلًا أَوْ عَادَةً إلَّا لِنَحْوِ وَلِيٍّ، وَطَلَبُ نَفْيِ مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ أَوْ ثُبُوتِ مَا دَلَّ عَلَى نَفْيِهِ وَمِنْ ذَلِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ، لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ذُنُوبَهُمْ عَلَى الْأَوْجَهِ لِصِدْقِهِ بِغُفْرَانِ بَعْضِ الذُّنُوبِ لِلْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، فَلَا مُنَافَاةَ فِيهِ لِلنُّصُوصِ وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ بِالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ وَسُوءِ الْخَاتِمَةِ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الظَّالِمِ الْمُتَمَرِّدِ، أَمَّا هُوَ فَيَجُوزُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ سُؤَالِ الْعِصْمَةَ وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّوَقِّيَ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ امْتَنَعَ، لِأَنَّهُ سُؤَالُ مَقَامِ النُّبُوَّةِ أَوْ التَّحَفُّظِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ أَفْعَالِ السُّوءِ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ وَالْمُتَّجَهُ عِنْدِي الْجَوَازُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ لِلْمَحْذُورِ وَاحْتِمَالِهِ الْوَجْهَ الْجَائِزَ، وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا كَالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَمِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الدُّعَاءُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>