للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الْبِقَاعِ بِالْعِبَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَصَلَ بِكَلَامِ إنْسَانٍ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا مِنْ انْتِقَالِهِ مَا إذَا قَعَدَ مَكَانَهُ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لِأَنَّ ذَلِكَ كَحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ، أَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ فَسَيَأْتِي (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ الِانْتِقَالِ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ (إلَى بَيْتِهِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَالْمَهْجُورِ وَغَيْرِهَا، وَلَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنْ الرِّيَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ التَّفْضِيلُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا» وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّافِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ، وَلَكِنَّ الْمُتَّجَهَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي النَّافِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُمْ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَالِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُورٌ بِالْمُبَادَرَةِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَفِي الِانْتِقَالِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الصُّفُوفِ مَشَقَّةٌ خُصُوصًا مَعَ كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ كَالْجُمُعَةِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ الِانْتِقَالِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ آخَرُ.

وَلِهَذَا اسْتَثْنَى مِنْهُ صُوَرٌ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

تَرْكُهُ فِيهَا: لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ دَفْعُ الْمَارِّ وَقَتْلُ نَحْوِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِنْ أَدَّى لِفِعْلٍ خَفِيفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، وَكَذَا السِّوَاكُ بِفِعْلٍ خَفِيفٍ إذَا أَهْمَلَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ اهـ عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: فَصَلَ بِكَلَامِ إنْسَانٍ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ فَفِي مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنْ وَصْلِ صَلَاةٍ بِصَلَاةٍ إلَّا بَعْدَ كَلَامٍ أَوْ خُرُوجٍ اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ خُرُوجٌ: أَيْ مِنْ مَحَلِّ صَلَاتِهِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) يُتَأَمَّلُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا نَفْلٌ فَعَلَهُ بَعْدَ الصُّبْحِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ صَلَاةٍ إلَى أُخْرَى، فَإِنْ فَرَضَ أَنَّهُ أَرَادَ فِعْلَ مَقْضِيَّةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ أَوْ سُنَّتِهِ لَمْ يَكُنْ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الْجُلُوسِ لِلذِّكْرِ: ثُمَّ رَأَيْت فِي الدَّمِيرِيِّ مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ: يُسْتَحَبُّ لِلْأَمَامِ الْقِيَامُ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الْإِمَامِ أَنَّ الدَّاخِلَ رُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ بَاقِيَةٌ، فَإِذَا انْتَقَلَ فَهِمَ ذَلِكَ الدَّاخِلُ تَمَامَهَا اهـ (قَوْلُهُ كَحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ) إنَّمَا قَالَ تَامَّةٍ فِي الْعُمْرَةِ دُونَ الْحَجِّ، لِأَنَّ الْعُمْرَةَ يَخْتَلِفُ فَضْلُهَا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيهَا، وَلَا كَذَلِكَ بِالْحَجِّ إذَا لَيْسَ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ، فَوَصْفُهَا بِالتَّمَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَامِلَةٌ فِي الْفَضْلِ.

(قَوْلُهُ: إلَى بَيْتِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَكٌّ فِي الْقِبْلَةِ فِيهِ فَيَكُونُ (قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ مِنْ صَلَاتِهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ الدَّمِيرِيِّ لَكِنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ قِيَامِ الْإِمَامِ مِنْ مُصَلَّاهُ عَقِبَ سَلَامِهِ، لَا مِنْ الِانْتِقَالِ بِالصَّلَاةِ إلَى آخَرَ كَمَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نِسَاءٌ فَالْمُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ عَقِيبَ صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَشُكَّ هُوَ وَمَنْ خَلْفَهُ هَلْ سَلَّمَ أَوَّلًا، وَلِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ فَيَظُنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْتَدِيَ بِهِ إلَى أَنْ قَالَ: قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا قَعَدَ مَكَانَهُ يَذْكُرُ اللَّهَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ فَسَيَأْتِي) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الْفَرْقِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَفْرُوضٌ فِي الِانْتِقَالِ عَنْ مَحَلٍّ صَلَّى فِيهِ إلَى آخَرَ، فَلَا يَشْمَلُ النَّافِلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا اسْتَثْنَى مِنْهُ) لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعًا لِلضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي سَنِّ الِانْتِقَالِ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي أَفْضَلِيَّةِ فِعْلِ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُقَيِّدُ الِانْتِقَالَ، فَلَا يَتَنَزَّلُ عَلَى مَا الْكَلَامُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>