لَزِمَ الْوُجُودُ فِي الْأَوَّلِ وَالْعَدَمُ فِي الثَّانِي لَكِنْ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ. لَا يُقَالُ الشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَى مَوَانِعِهَا وَلَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْعِقَادِهَا حَسُنَ تَأْخِيرُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَدَّ مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا وَبِكَيْفِيَّتِهَا وَتَمْيِيزُ فَرَائِضِهَا مِنْ سُنَنِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالصَّلَاةِ.
فَلَوْ جَهِلَ كَوْنَ أَصْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَاتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الطَّوَافِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَرْضًا، أَوْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا فَرَائِضَ وَسُنَنًا وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ مَا فَعَلَهُ لِتَرْكِهِ مَعْرِفَةَ التَّمْيِيزِ الْمُخَاطَبَ بِهَا. وَأَفْتَى حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ مِنْ الْعَامَّةِ فَرْضَ الصَّلَاةِ مِنْ سُنَنِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَيْ وَسَائِرُ عِبَادَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ نَفْلًا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ يُشْعِرُ بِرُجْحَانِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَامِّيِّ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ الْفِقْهِ شَيْئًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي، وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ فَرَائِضَ صَلَاتِهِ مِنْ سُنَنِهَا، وَأَنَّ الْعَالِمَ مَنْ يُمَيِّزُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّهِ مَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ؛ وَقَدْ عُلِمَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ فَرْضِيَّةَ جَمِيعِ أَفْعَالِهَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَدَائِهِ سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ ضَارٍ. (خَمْسَةٌ) أَوَّلُهَا (مَعْرِفَةُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَهُوَ مَرْجُوحٌ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ وَبَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَإِنْ مَشَى فِي الْبَهْجَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ وَيُمْنَعُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ.
(قَوْلُهُ: وَبِكَيْفِيَّتِهَا) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهَا تَمْيِيزَ فَرَائِضِهَا مِنْ سُنَنِهَا وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ عَطْفُهُ عَلَيْهِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عَدَمُ ذِكْرِهِ فِي الْمُحْتَرَزَاتِ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ كَلَامُ حَجّ وَكَلَامُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الصُّورَةَ الَّتِي تَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا خَارِجًا (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِالصَّلَاةِ) أَيْ بَلْ تَأْتِي فِي كُلِّ عِبَادَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى حُجَّةُ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِكَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُمَيِّزْ مِنْ الْعَامَّةِ) أَيْ مِنْ الْعَوَامّ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْعَامِّيِّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ إلَخْ، وَقَالَ حَجّ إنَّ الْعَالِمَ كَالْعَامِّيِّ عَلَى الْأَوْجَهِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَعْضَ فَرْضٌ وَالْبَعْضَ سُنَّةٌ صَحَّ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ النَّفْلِيَّةَ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ: أَوْ الْبَعْضَ فَرْضٌ وَالْبَعْضَ إلَخْ صَنِيعُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَالْعَالِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْعَامِّيِّ كَمَا يُعْلَمُ بِالْمُرَاجَعَةِ (قَوْلُهُ: يُشْعِرُ بِرُجْحَانِهِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ الْفِقْهِ شَيْئًا إلَخْ) أَيْ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ قَدْرًا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ تَمْيِيزِ فَرَائِضِهَا مِنْ سُنَنِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعَالِمِ مَنْ مَيَّزَ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا) أَيْ وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَا هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُ: هُنَا مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ الْفِقْهِ شَيْئًا يَهْتَدِي بِهِ لِبَاقِيهِ (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ: فَرْضِيَّةُ جَمِيعِ أَفْعَالِهَا) أَيْ وَمِنْهَا الْقَوْلِيَّةُ وَالِاعْتِقَادِيَّة (قَوْلُهُ: أَوَّلُهَا) وَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْمَحَلِّيِّ. أَقُولُ: تَعْبِيرُهُ بِالْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ تَمَيُّزٌ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَضْعًا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا يَصِحُّ وَلَا تَبْرَأُ بِهَا ذِمَّتُهُ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَأَيْضًا الْخِطَابُ بِالصَّلَاةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ مَا فَعَلَهُ) أَيْ إنْ كَانَ غَيْرَ عَامِّيٍّ بِالْمَعْنَى الْآتِي (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا) أَيْ أَمَّا فِي غَيْرِ مَا هُنَا فَهُوَ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْعَامِّيِّ وَهَذَا عُرْفُ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ فِي الْحَاشِيَةِ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ، فَهُوَ جَارٍ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا يُنَاسِبُهُ السِّيَاقُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْعَالِمَ مَنْ يُمَيِّزُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّهِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الَّذِي يُمَيِّزُ مَا ذُكِرَ بِالْفِعْلِ كَيْفَ يَتَأَتَّى جَهْلُهُ بِهِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الِاغْتِفَارُ أَوْ عَدَمُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute