للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ يَتَعَيَّنُ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَعْدِلْ إلَى بَدَلِهِ؛ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْوَارِدِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ يَحْتَاجُ إلَى الْجَبْرِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَإِنَّ قَلِيلَهُ كَكَثِيرِهِ.

وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِهِ، بِخِلَافِ تَرْكِ أَحَدِ الْقُنُوتَيْنِ كَأَنْ تَرَكَ قُنُوتَ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِقُنُوتٍ تَامٍّ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ وَقْفَةً لَا تَسَعُ الْقُنُوتَ إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهُ لِإِتْيَانِهِ بِأَصْلِ الْقِيَامِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوَقْفَةُ لَا تَسَعُ الْقُنُوتَ الْمَعْهُودَ وَتَسَعُ قُنُوتًا مَا مُجْزِئًا أَمَّا لَوْ كَانَتْ لَا تَسَعُ قُنُوتًا مُجْزِئًا أَصْلًا فَالْأَوْجَهُ السُّجُودُ (أَوْ قِيَامُهُ) أَيْ الْقُنُوتُ الرَّاتِبُ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ تَرْكُهُ تَرْكَ الْقُنُوتِ بِأَنْ لَمْ يُحْسِنْهُ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْقِيَامُ بِقَدْرِهِ زِيَادَةً عَلَى ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ.

فَإِذَا تَرَكَهُ سَجَدَ لَهُ، وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ قِيَامَهُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ ذِكْرُ الِاعْتِدَالِ فَكَيْفَ يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ الْحَنَفِيِّ سَجَدَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَقَوْلُ الْقَفَّالِ لَا يَسْجُدُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ، وَلَوْ اقْتَدَى فِي الصُّبْحِ بِمُصَلِّي سُنَّتِهَا سَجَدَ فِيمَا يَظْهَرُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْقُنُوتِ خَلْفَهُ، فَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الصُّبْحِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ بِجُمْلَتِهِ وَعَدَلَ إلَى دُعَاءٍ آخَرَ لَمْ يَسْجُدْ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ وَافَقَ م ر عَلَى مَا قُلْنَاهُ اهـ.

أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ عَدَلَ إلَى آيَةٍ تَتَضَمَّنُ دُعَاءً وَثَنَاءً أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا لَمْ تَطْلُبْ بِخُصُوصِهَا كَانَتْ قُنُوتًا مُسْتَقِلًّا فَأَسْقَطَ الْعُدُولُ إلَيْهَا حُكْمَ الْقُنُوتِ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، بِخِلَافِ كُلٍّ مِنْ قُنُوتِ عُمَرَ وَقُنُوتِ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ وَرَدَ بِخُصُوصِهِ فَكَانَا كَقُنُوتٍ وَاحِدٍ، وَالْقُنُوتُ الْوَاحِدُ يُسْجَدُ لِتَرْكِ بَعْضِهِ وَلَوْ كَلِمَةً عَلَى مَا مَرَّ، وَبَقِيَ مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِمَا ثُمَّ تَرَكَ أَحَدَهُمَا هَلْ يَسْجُدُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ السُّنَنَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْدِلْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا عَدَلَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَقَفَ) أَيْ فَلَا يَسْجُدُ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ) أَيْ لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ قِيَامَ الْقُنُوتِ مِنْ الْأَبْعَاضِ (قَوْلُهُ: عَلَى ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ وَقْفَةً تَسَعُ الْقُنُوتَ وَقَدْ تَرَكَ ذِكْرَ الِاعْتِدَالِ فَالظَّاهِرُ صَرْفُ تِلْكَ الْوَقْفَةِ لِلْقُنُوتِ، فَإِنَّ تَرْكَهُ ذِكْرَ الِاعْتِدَالِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ فَلَا تَكُونُ الْوَقْفَةُ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ إلَّا لِلْقُنُوتِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا تَرَكَهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ بِقِيَامٍ يَسَعُ قُنُوتًا مُجْزِئًا لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ لَهُ (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْقِيَامَ بَعْضٌ مُسْتَقِلٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ) أَيْ وَلَوْ أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ مُؤَلَّفٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ فِي الصُّبْحِ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَيَلْحَقُهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى كُلٍّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَعَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَرْكِهِ لَهُ لَحِقَهُ سَهْوُهُ فِي اعْتِقَادِهِ، بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ سُنَّةِ الصُّبْحِ إذْ لَا قُنُوتَ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْإِمَامِ فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ السَّهْوِ. اهـ. أَيْ فَلَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَأْمُومِ سُجُودٌ لِتَرْكِ إمَامِهِ الْقُنُوتَ لِعَدَمِ طَلَبِهِ مِنْ الْإِمَامِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَمَحَلُّ السُّجُودِ أَيْضًا مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ، فَإِنْ أَتَى بِهِ فَلَا سُجُودَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ اقْتَصَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ وَصَلَّى خَلْفَهُ حَيْثُ قَالُوا بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ خَلْفَهُ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ لَا بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ وَقَفَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ وَقْفَةً تَسَعُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْهَرْ بِهِ هَلْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ حَمْلًا لَهُ عَلَى عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ أَوْ لَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَكَتَ سَكْتَةً تَسَعُ الْبَسْمَلَةَ مِنْ أَنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا حَتَّى لَا يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَمَّا كَانَتْ مَطْلُوبَةً مِنْهُ حُمِلَ عَلَى الْكَمَالِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ (قَوْلُهُ: بِمُصَلِّي سُنَّتِهَا) وَمِثْلُهَا كُلُّ صَلَاةٍ لَا قُنُوتَ فِيهَا عَلَى الرَّاجِحِ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَذَكَرَهُ فِي الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْدِلْ إلَى بَدَلِهِ) صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ وَارِدًا وَبِمَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْوَارِدِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشِّهَابِ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ لَكِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَذَكَرَ أَنَّ الشَّارِحَ وَافَقَهُ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَهُ تَبَعًا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ خَلْفَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ

<<  <  ج: ص:  >  >>