للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَيُلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَصَلُوا إلَى هَذَا الْحَدِّ فَيُكْتَفَى بِفِعْلِهِمْ فِيمَا يَظْهَرُ، لَكِنْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» . وَمَعْنَى شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ رَدَّتْهَا السَّجْدَتَيْنِ مَعَ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا لِأَرْبَعٍ لِجَبْرِهِمَا خَلَلَ الزِّيَادَةِ كَالنَّقْصِ لَا أَنَّهُمَا صَيَّرَاهَا سِتًّا، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْخَبَرِ إلَى أَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ هُنَا التَّرَدُّدُ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ وَاقِعَةً فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَوُجُودُ التَّرَدُّدِ يُضْعِفُ النِّيَّةَ وَيُحْوِجُ لِلْجَبْرِ وَلِهَذَا يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ تَرَدُّدُهُ قَبْلَ سَلَامِهِ كَمَا قَالَ (وَالْأَصَحُّ أَنْ يَسْجُدَ، وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ) بِأَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ لِفِعْلِهَا مَعَ التَّرَدُّدِ.

وَالثَّانِي لَا يَسْجُدُ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالتَّرَدُّدِ بَعْدَ زَوَالِهِ (وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ زَائِدًا) فَيَسْجُدُ؛ لِتَرَدُّدِهِ فِي زِيَادَتِهِ، وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ.

(وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ) (شَكَّ) فِي رُبَاعِيَّةٍ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّالِثَةِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّكِّ جَاهِلٌ بِالثَّالِثَةِ (أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ فِيهَا) أَيْ الثَّالِثَةِ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلرَّابِعَةِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ (لَمْ يَسْجُدْ) ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مَعَ الشَّكِّ لَازِمٌ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ، وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ قَوْلُ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَوْ شَكَّ فِي رَكْعَةٍ أَثَالِثَةٌ هِيَ وَإِلَّا فَقَدْ فَرَضَهَا ثَالِثَةً فَكَيْفَ يَشُكُّ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِرَدِّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي الْوَاقِعِ فَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ (أَوْ) تَذَكَّرَ (فِي) الرَّكْعَةِ (الرَّابِعَةِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمَأْتِيِّ بِهَا أَنَّ مَا قَبْلَهَا ثَالِثَةٌ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهَا خَامِسَةٌ ثُمَّ زَالَ تَرَدُّدُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: فَيُكْتَفَى بِفِعْلِهِمْ فِيمَا يَظْهَرُ) جَزَمَ بِهِ حَجّ فِي شَرْحِهِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَنَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ.

وَمَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ لَا يُنَافِي اعْتِمَادَهُ لِتَقْدِيمِهِ وَاسْتِظْهَارَهُ لَهُ (قَوْلُهُ: تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي فِعْلِهِ رُغِّمَ بِالتَّشْدِيدِ،

وَفِي الْمِصْبَاحِ رَغَمَ أَنْفُهُ رَغْمًا مِنْ بَابِ قَتَلَ، وَرَغِمَ مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةً كِنَايَةٌ عَنْ الذُّلِّ كَأَنَّهُ لَصِقَ بِالرَّغَامِ هَوَانًا، وَيَتَعَدَّى بِالْأَلِفِ فَيُقَالُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا تَرْغِيمٌ لَهُ: أَيْ إذْلَالٌ. اهـ. فَلَمْ يَذْكُرْ صِيغَةً مِنْ الْفِعْلِ الْمُضَاعَفِ مَعَ ذِكْرِهِ مَصْدَرَهُ، لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ رَغَّمَهُ تَرْغِيمًا قَالَ لَهُ رُغْمًا. اهـ.

وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ كَأَنَّهُ قَالَ رُغْمًا رُغْمًا (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتُهُ) مِثْلُهُ فِي حَجّ وَأَشَارَا بِهِ إلَى دَفْعِ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ شَفَعْنَا لَهُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ السَّجْدَتَانِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلسَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ جَمْعٌ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ قِيَامِهِ لِلرَّابِعَةِ) شَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ نَهَضَ عَنْ الْجُلُوسِ وَلَمْ يَصِلْ لِحَدٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ رَابِعَةٌ وَفَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا بَطَلَتْ بِهِ صَلَاتُهُ، وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُهُ بِقَبْلِ الْقِيَامِ مَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي السُّجُودِ أَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ وَقِيلَ النُّهُوضُ عَنْ الْجُلُوسِ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ الْآتِي وَمُقْتَضَى تَعْبِيرِهِمْ إلَخْ وَفِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ مَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: فَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ) هُمَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِثَالُهُ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ إلَخْ، وَقَوْلُ الْمُعْتَرِضِ وَلَوْ شَكَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مَعَ الضَّمِيرِ فِي مَتْرُوكِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِمَا ذَكَرَ إلَخْ) لَفْظُ يُحْتَمَلُ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ زِيَادَةِ لَفْظٍ فِيمَا يَظْهَرُ قَبْلَ قَوْلِهِ لَكِنْ أَفْتَى الْوَالِدُ إلَخْ، وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُ خِلَافِ إفْتَاءِ وَالِدِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَمْعُ بَيْنَ يُحْتَمَلُ وَفِيمَا يَظْهَرُ وَفِيهِ تَدَافُعٌ (قَوْلُهُ: مَعَ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا) أَشَارَ بِهِ إلَى مَعْنَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَفَعْنَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ فِي الرَّابِعَةِ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّ الشَّكَّ إنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهَا خَامِسَةٌ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْمَعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ زَالَ تَرَدُّدُهُ فِي الرَّابِعَةِ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ الْمَتْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>