للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ مُتَابَعَتَهُ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَدْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ لِخَامِسَةٍ غَيْرُ مَعْهُودٍ، بِخِلَافِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ؛ لِيُسَلِّمَ وَحْدَهُ وَانْتِظَارِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ مُتَابَعَةِ الصَّحَابَةِ الْمَأْمُومِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ تَحَقُّقِ زِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ زَمَنَ وَحْيٍ يَحْتَمِلُ زِيَادَةَ الصَّلَاةِ وَنُقْصَانَهَا، وَلِهَذَا قَالُوا أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

. وَلَا يَرُدُّ مَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ رَأَى الْإِمَامَ يَتَشَهَّدُ نَوَى الْجُمُعَةَ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ بَعْضَ أَرْكَانِهَا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَابِعُهُ فِيمَا يَأْتِي إذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُنَا لَمْ يُعْلَمْ، وَمَحَلُّ لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ غَلَطَهُ فِي سُجُودِهِ فَإِنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ لَمْ يُتَابِعْهُ كَأَنْ كَتَبَ أَوْ أَشَارَ أَوْ تَكَلَّمَ قَلِيلًا جَاهِلًا وَعُذِرَ أَوْ أَسْلَمَ عَقِبَ سُجُودِهِ فَرَآهُ هَاوِيًا لِلسُّجُودِ لِبُطْءِ حَرَكَتِهِ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ لِجَهْلِهِ بِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ سُجُودَهُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ أَوْ السُّورَةِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ.

وَمَا اُسْتُشْكِلَ بِهِ حُكْمُهُ مِنْ أَنَّ مَنْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ يَسْجُدُ ثَانِيًا لِسَهْوِهِ بِالسُّجُودِ فَبِفَرْضِ عَدَمِ سَهْوِ الْإِمَامِ فَسُجُودُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ مُوَافَقَةَ الْمَأْمُومِ يَقْتَضِي سُجُودَهُ. جَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِي هَذَا السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ غَلَطٌ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَقْتَضِي سُجُودَهُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ أَوْ سَلَامِ الْإِمَامِ لِمُدْرَكٍ آخَرَ فَتِلْكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا مَعَ وُضُوحِ حُكْمِهَا، وَمَا اُسْتُشْكِلَ بِهِ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ لَمْ يَسْهُ فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى مِنْ سَهْوِ الْإِمَامِ. جَوَابُهُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صُورَةً (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ بِأَنْ تَرَكَهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُعْتَقِدًا كَوْنَهُ بَعْدَ سَلَامِهِ (فَيَسْجُدُ) الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ (عَلَى النَّصِّ) لِجَبْرِ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَأْتِي بِهِمَا الْمَأْمُومُ لِوُقُوعِهِمَا خِلَالَ الصَّلَاةِ، فَلَوْ انْفَرَدَ بِهِمَا لَخَالَفَ الْإِمَامَ، وَاخْتَلَّتْ الْمُتَابَعَةُ، وَمَا هُنَا إنَّمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْهُ وَإِنَّمَا سَهَا الْإِمَامُ وَسُجُودُهُ مَعَهُ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ الْمَتْبُوعُ فَالتَّابِعُ أَوْلَى، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بِفِعْلِ الْإِمَامِ لَهُ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمَأْمُومِ وَيَصِيرُ كَالرُّكْنِ، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ سَاهِيًا عَنْهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَمْ يَسْجُدْ يَكُونُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَمْلًا لِلْإِمَامِ أَنَّهُ قَطَعَ سُجُودَ السَّهْوِ وَهُوَ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ يَكُونُ سُجُودُ الْمَأْمُومِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ مُتَابَعَتَهُ) أَيْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ فِي جُلُوسِهِ حَتَّى هَوَى الْإِمَامُ لِلسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى. وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ ابْتِدَاءَ عَدَمِ السُّجُودِ أَصْلًا وَإِلَّا فَتَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ هَوِيِّ الْإِمَامِ لِلسُّجُودِ لِشُرُوعِ الْمَأْمُومِ فِي الْمُبْطِلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قِيَامَهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لِيُسَلِّمَ وَحْدَهُ) وَهِيَ أَوْلَى قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ عَادَ الْإِمَامُ لِلْقُعُودِ بَعْدَ انْتِصَابِهِ.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ) أَيْ الْمَأْمُومُ غَلَطَهُ: أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ كَتَبَ) أَيْ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ) أَيْ تَيَقَّنَ غَلَطَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: مَعَ وُضُوحِ حُكْمِهَا) مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُعْتَقِدًا كَوْنَهُ بَعْدَ سَلَامِهِ) بِأَنْ كَانَ مُخَالِفًا (قَوْلُهُ: مَا لَوْ تَرَكَ) أَيْ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ انْفَرَدَ) أَيْ الْمَأْمُومُ (قَوْلُهُ: يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمَأْمُومِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَسْبُوقًا.

وَعِبَارَةُ حَجّ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بِفِعْلِ الْإِمَامِ لَهُ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمَأْمُومِ وَيَصِيرُ كَالرُّكْنِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ سَاهِيًا عَنْهُ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

إمَامَهُ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ فِي قِيَامِهِ لَزِمَهُ الْجُلُوسُ لِيَقُومَ مِنْهُ، وَلَا يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ وَإِنْ جَازَتْ وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ وَأَتَمَّ جَاهِلًا لَهَا فَيُعِيدُ وَيَسْجُدُ (قَوْلُهُ: سَاهِيًا) الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ إذْ لَا يُلَائِمُهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَنْ قَامَ إمَامُهُ لِخَامِسَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>