وَلَوْ فِي سِرِّيَّةٍ. نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُهَا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَمَحَلُّهُ إنْ قَصَرَ الْفَصْلُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْجَهْرِيَّةَ كَذَلِكَ إذَا بَعُدَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ عَنْ إمَامِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَلَا يُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ أَوْ أَخْفَى جَهْرَهُ أَوْ وُجِدَ حَائِلٌ أَوْ صَمَمٌ أَوْ نَحْوُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ سُنَّ لِلْمَأْمُومِ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ قَصَرَ الْفَصْلُ لِمَا يَأْتِي مِنْ فَوَاتِهَا بِطُولِهِ، وَلَوْ مَعَ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الظُّهْرِ لِلتِّلَاوَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُهُمْ الْآيَةَ أَحْيَانًا فَلَعَلَّهُ أَسْمَعَهُمْ آيَتَهَا مَعَ قِلَّتِهِمْ فَأَمِنَ عَلَيْهِمْ التَّشْوِيشَ أَوْ قَصَدَ بَيَانَ جَوَازِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ إصْغَاءٌ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِمَا.
(وَمَنْ سَجَدَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ (خَارِجَ الصَّلَاةِ نَوَى) سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وُجُوبًا لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّلَفُّظُ بِهَا (وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ) كَالصَّلَاةِ (رَافِعًا يَدَيْهِ) كَرَفْعِهِ فِي تَحَرُّمِهِ بِالصَّلَاةِ، وَلَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ لِيُكَبِّرَ مِنْ قِيَامٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ شَيْءٍ فِيهِ (ثُمَّ) كَبَّرَ نَدْبًا (لِلْهَوِيِّ) لِلسُّجُودِ (بِلَا رَفْعٍ) لِيَدَيْهِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَنْوِ التَّحَرُّمَ وَحْدَهُ نَظِيرُ مَا يَأْتِي (وَسَجَدَ) سَجْدَةً (كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ) فِي أَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا وَسُنَنِهَا (وَرَفَعَ) رَأْسَهُ (مُكَبِّرًا) وَجَلَسَ (وَسَلَّمَ) مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ كَتَسْلِيمِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ) فِيهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَالنِّيَّةِ رُكْنٌ، وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُ الْمُصَنِّفُ بِالشَّرْطِ وَيُرِيدُ بِهِ مَا قُلْنَاهُ. وَالثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ (وَكَذَا السَّلَامُ) لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهَا (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى التَّحَرُّمِ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إذَا سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ مِنْ قِيَامٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، إذْ لَيْسَ لَنَا سَلَامُ تَحَلُّلٍ مِنْ قِيَامٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ.
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا قَصَرَ الْفَصْلُ) أَيْ أَمَّا إذَا طَالَ فَلَا يُطْلَبُ تَأْخِيرُهَا بَلْ يَسْجُدُ، وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّشْوِيشِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ) هُوَ قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُشَوِّشَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ) أَيْ فَلَوْ نَوَى السُّجُودَ وَأَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا قَامَ كَانَ مُبَاحًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: لَا يُسَنُّ دُونَ يُسَنُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ سَجْدَتُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالصَّلَاةِ تَجَوُّزًا عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمَعْنَى بَطَلَتْ لَمْ تَنْعَقِدْ لَا أَنَّهَا انْعَقَدَتْ ثُمَّ بَطَلَتْ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ) أَيْ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى التَّشَهُّدِ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سَنِّهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدُ: وَلَا يُسَنُّ تَشَهُّدٌ (قَوْلُهُ: مَا قُلْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا السَّلَامُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ بَعْدَ جُلُوسِهِ: وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: هَلْ يَجِبُ هَذَا الْجُلُوسُ لِأَجْلِ السَّلَامِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ يَسِيرًا كَفَى؟ مَالَ م ر إلَى الْوُجُوبِ وطب إلَى خِلَافِهِ انْتَهَى.
أَقُولُ الْمُتَبَادَرُ مَا قَالَهُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ تَشَهُّدٌ) أَيْ فَلَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ طَوَّلَ الْجُلُوسَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ وَمَا أَتَى بِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ مُجَرَّدُ ذِكْرٍ وَهُوَ لَا يَضُرُّ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَهُ وَقَامَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ قِيَامٍ)
[حاشية الرشيدي]
فِي حَقِّهِ حَالَ الْقُدْوَةِ فَلْيَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ فِعْلُهُ بَعْدَ الِانْفِرَادِ قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسُجُودِ إمَامِهِ لَا لِقِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْقُدْوَةِ وَلِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُلْقَةَ بَيْنَهُمَا وَالِانْفِرَادُ هُنَا عَارِضٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ) ظَاهِرُ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصُرْ الْفَصْلُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ: أَيْ بَلْ يَسْجُدُ وَإِنْ شَوَّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ جَازِمًا بِهِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْعُبَابِ: وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ سُجُودِهِ فِي السِّرِّيَّةِ عَنْ السَّلَامِ وَفِعْلُهَا بَعْدَهُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ انْتَهَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute