للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ مَثَلًا، وَلَمْ يَنْوِ الْمُؤَكَّدَ وَلَا غَيْرَهُ انْصَرَفَ لِلْمُؤَكَّدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ، وَالطَّلَبُ فِيهِ أَقْوَى (وَقِيلَ) مِنْ الرَّوَاتِبِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ) لِمَا يَأْتِي (قُلْت هُمَا سُنَّةٌ) غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ (عَلَى الصَّحِيحِ) (فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا) وَلَفْظُهُ «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّخِذَهُ النَّاسُ سُنَّةً: أَيْ طَرِيقَةً لَازِمَةً.

وَصَحَّ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ لَهَا إذَا أَذَّنَ الْمَغْرِبُ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لِيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا يُصَلِّيهِمَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ قَادِحٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَفْيٌ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَعَجِيبٌ مِمَّنْ زَعَمَ كَوْنَهُ مَحْصُورًا، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَزْمِنَةِ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْضُرْهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَا أَحَاطَ بِمَا يَقَعُ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ الْحَصْرُ فَالْمُثْبِتُ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَلْيُقَدَّمْ كَمَا قَدَّمُوا رِوَايَةَ مُثْبِتِ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْكَعْبَةِ عَلَى رِوَايَةِ نَافِيهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا، عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مَعَهُ فِيهَا.

مَعَ أَنَّ مُدَّعَاهُ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ نَفْيُ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ، وَبِفَرْضِ التَّسَاقُطِ يَبْقَى مَعْنَى «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهُ وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ " أَيْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ " صَلَاةٌ " إذْ هُوَ يَشْمَلُهُمَا نَصًّا وَمِنْ ثَمَّ أَخَذُوا مِنْهُ اسْتِحْبَابَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي أَرْبَعِ الظُّهْرِ وَأَرْبَعِ الْعَصْرِ إلَخْ، وَأَرَادَ بِأَرْبَعِ الظُّهْرِ وَأَرْبَعِ الْعَصْرِ مَا قَدَّمَهُ فِيهِمَا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَدَعُهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَوْلُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْعَشْرِ لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ» ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَكَانَ فِي الْخَبَرِ إلَخْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ كَانَ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا ذِكْرٌ فِي كَلَامِهِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخَبَرِ جِنْسَهُ فَيَشْمَلُ الْخَبَرَيْنِ مَعًا، وَأَنَّهُ أَرَادَ الْوَارِدَ فِي سُنَّةِ الْعَصْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ اشْتَمَلَ عَلَى مَا يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يَدَعُهَا فَالتَّكْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِ كَانَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْأَرْبَعَ الْقَبْلِيَّةَ وَفَصَلَ بَيْنَهَا بِالسَّلَامِ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ الْأُولَيَيْنِ لِلْمُؤَكَّدِ، بَلْ يَقَعُ ثِنْتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ وَثِنْتَانِ غَيْرُ مُؤَكَّدَتَيْنِ بِلَا تَعْيِينٍ.

وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ وَالطَّلَبُ فِيهِ أَقْوَى صَرْفُ الْأُولَيَيْنِ لِلْمُؤَكَّدَتَيْنِ مُطْلَقًا، وَهَلْ الْقَبْلِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَعْدِيَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ هُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؟ قَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ: إنَّ الْبَعْدِيَّةَ أَفْضَلُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى فِعْلِ الْفَرِيضَةِ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ حَمْدَانَ. اهـ أَقُولُ: الْأَقْرَبُ التَّسَاوِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْبَهْجَةِ حَيْثُ قَالَ مَا بِالْوَاوِ لَا تُرَتَّبُ. اهـ: أَيْ مَا ذَكَرْته مِنْ الرَّوَاتِبِ مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ عَطَفَهُمَا بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْوِ الْمُؤَكَّدَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ فِي نِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُؤَكَّدِ اخْتَصَّ بِهِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَطْلَقَ سُنَّةَ الظُّهْرِ القَبْلِيَّةَ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدَدٍ هُوَ يَقْتَصِرُ عَلَى ثِنْتَيْنِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى ثِنْتَيْنِ. اهـ.

وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ نَصُّهَا: فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ فِي نِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَثَلًا وَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ م ر اهـ. وَفِي كَلَامِهِ أَيْضًا عَلَى الْبَهْجَةِ: لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ الضُّحَى حُمِلَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَلْيُرَاجِعْ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الضُّحَى وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ الرَّوَاتِبِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الثَّالِثَةِ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، وَقَوْلُهُ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا: أَيْ قَالَ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهَةً (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّفَاقِهِمَا) أَيْ الْمُثْبِتِ وَالنَّافِي (قَوْلُهُ: وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ) أَيْ وَيَبْقَى مَعْنَى الْخَبَرِ الصَّحِيحِ إلَخْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْأَصَحِّ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ، وَمُبَادَرَتُهُ مِنْهَا أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا وَضْعِيٌّ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا مَنْ كَانَ بَلْ مَنْ لَا يَدَعُ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لِلْأَغْلَبِ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>