للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُعْجَمَةِ «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فِي رِوَايَةٍ «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَلَا مُنَافَاةَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ، أَوْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِحَسَبِ قُرْبِ الْمَسْجِدِ وَبُعْدِهِ، أَوْ أَنَّ الْأُولَى فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَالثَّانِيَةَ فِي السَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ عَنْ الْجَهْرِيَّةِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالتَّأْمِينِ لِتَأْمِينِهِ.

وَمَكَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا مَقْهُورِينَ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، وَحِكْمَةُ كَوْنِهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ كَمَا أَفَادَهُ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ وَالْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَقَدْ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشْرَةٌ فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ وَاحِدٌ يَبْقَى تِسْعَةٌ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَرَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا يُعْطِي كُلَّ إنْسَانٍ مَا لِلْجَمَاعَةِ فَصَارَ لِكُلٍّ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَحِكْمَةُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ كَمَا قَالَهُ أَنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا يُعْطِيهِمَا بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ مَا يُعْطِي الثَّلَاثَةَ، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ غَايَةَ الْإِيضَاحَ مَعَ زِيَادَةِ حِكَمٍ لِذَلِكَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَمَالِي وَأَفْرَدَهُ فِي جُزْءٍ سَمَّاهُ [مَعْرِفَةُ الْخِصَالِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى الظِّلَالِ] وَأَلْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا التَّعْبِيرُ بِالضَّعْفِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ. اهـ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً) وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْخَمْسَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا فُرِضَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ: أَيْ مِنْ غَيْرِ مُوَاظَبَةٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ، فَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي جَمَاعَةً فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ جَمَاعَةً، وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ: وَوَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا، وَفِي كَلَامِ الشَّامِيِّ فِي مَرَاتِبِ الْوَحْيِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِخَدِيجَةَ وَعَلِيٍّ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ» . اهـ.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى جَمَاعَةً قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّهَا لُغَةً ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ) أَيْ الَّتِي لَهَا ذَلِكَ الثَّوَابُ وَإِلَّا فَكَانَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْنِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.

[فَرْعٌ] وَقَفَ شَافِعِيٌّ بَيْنَ حَنَفِيَّيْنِ وَاقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَالصَّفُّ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ تَحَقَّقَ مِنْ الْحَنَفِيِّ عَدَمُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. لَا يُقَالُ: حَيْثُ عَلِمَ تَرْكَ الْحَنَفِيِّ الْقِرَاءَةَ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيَصِيرُ فِي اعْتِقَادِهِمْ مُنْفَرِدًا. لِأَنَّا نَقُولُ: صَرَّحُوا بِأَنَّ فِعْلَ الْمُخَالِفِ لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ اعْتِقَادٍ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ السَّهْوِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ فَسَجَدَ لِتِلَاوَةِ سَجْدَةِ صَ ~ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الشَّافِعِيِّ بِفِعْلِ الْحَنَفِيِّ، وَلَا تَبْطُلُ قُدْوَتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا يَبْطُلُ عَمْدَهُ سَهْوًا فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَحَصَلَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ لِوُجُودِ صُورَتِهَا حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ حَيْثُ كَانَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ. لَا يُقَالُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَسَجْدَةِ صَ ~ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى سُجُودَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

يَلْزَمُهُ فَسَادٌ لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّهُ يُنَافِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ إذْ هُوَ آيَةُ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَهِيَ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ (قَوْلُهُ: يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ) صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ فَرْضِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ اللُّغَةِ، لَكِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَتِهِمْ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَحِكْمَةُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ) هَذَا مِنْ تَمَامِ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ حِكْمَةً مُسْتَقِلَّةً فَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا قَبْلَهُ إذْ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ، وَالْجَمَاعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>