تَرْكُ الْغُسْلِ لِأَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ» أَيْ مُتَأَكِّدٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ «وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا» زَادَ النَّسَائِيّ (وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) وَصَرَفَهَا عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» وَضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَا شُرِعَ بِسَبَبٍ مَاضٍ كَانَ وَاجِبًا كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَوْتِ، وَمَا شُرِعَ لِمَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَأَغْسَالِ الْحَجِّ، وَاسْتَثْنَى الْحَلِيمِيُّ مِنْ الْأَوَّلِ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِسْلَامُ.
(وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ) الصَّادِقِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ، وَيُفَارِقُ غُسْلَ الْعِيدِ حَيْثُ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِقُرْبِ الزَّمَنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ لَضَاقَ الْوَقْتُ وَتَأَخَّرَ عَنْ التَّبْكِيرِ إلَى الصَّلَاةِ. (وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ) إلَى الْجُمُعَةِ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ التَّنْظِيفِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِجَسَدِهِ عَرَقٌ كَثِيرٌ وَرِيحٌ كَرِيهٌ أَخَّرَ وَإِلَّا بَكَّرَ، وَلَوْ تَعَارَضَ هُوَ وَالتَّبْكِيرُ قُدِّمَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَلِتَعِدِي أَثَرِهِ إلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ التَّبْكِيرِ، وَلَا يُبْطِلُهُ حَدَثٌ وَلَا جَنَابَةٌ.
(فَإِنْ) (عَجَزَ) مِنْ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا (تَيَمَّمَ فِي الْأَصَحِّ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَنْصَتَ) عَطْفٌ مُغَايَرٌ (قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى) زَادَ عَنْ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
(قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ) وَيَخْرُجُ بِفَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ وَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ كَالْعِيدِ انْتَهَى خَطِيبٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) أَخَّرَهُ حَجّ عَمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ أَوْلَى، وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ تَعَارَضَ مَعَ التَّبْكِيرِ قَدَّمَهُ حَيْثُ أَمِنَ الْفَوَاتَ عَلَى الْأَوْجَهِ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ تَرْكُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَارَضَ هُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ) أَيْ الْغُسْلُ وَمِثْلُهُ بَدَلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِذَا تَعَارَضَ التَّبْكِيرُ وَالتَّيَمُّمُ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَدَنِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا قُدِّمَ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَفِي سَنِّهِ خِلَافٌ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَنِّهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُبْطِلُهُ حَدَثٌ وَلَا جَنَابَةٌ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: لَكِنْ يُسَنُّ إعَادَتُهُ انْتَهَى. قَالَ سم عَلَى حَجّ: وَظَاهِرُهُ سَنُّ إعَادَتِهِ فِيهِمَا، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَجْمُوعِ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَدَثِ بَلْ مُحْتَمِلَةٌ لِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ أَيْضًا كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ كَمَا بَيَّنَ، بَلْ الْقِيَاسُ حُرْمَتُهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بِلَا سَبَبٍ، فَهِيَ فَاسِدَةٌ فَتَحْرُمُ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِنِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ مِنْ الْغُسْلِ التَّنْظِيفَ وَوَقْتُهُ بَاقٍ لَمْ يَحْرُمْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ حَجّ: وَلَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا مَا يَجِيءُ فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَأْتِي لَهُ فِي الْإِحْرَامِ نَصُّهُ، وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَاءٍ يَكْفِيهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِبَدَنِهِ تَغَيُّرٌ أَزَالَهُ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَفَى الْوُضُوءُ تَوَضَّأَ بِهِ وَإِلَّا غَسَلَ بِهِ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَحِينَئِذٍ إنْ نَوَى الْوُضُوءَ تَيَمَّمَ عَنْ بَاقِيهِ غَيْرَ تَيَمُّمِ الْغُسْلِ وَإِلَّا كَفَى تَيَمُّمُ الْغُسْلِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَسَلَ بِهِ أَعَالِيَ بَدَنِهِ انْتَهَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ، فَلَا يُقَالُ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ بِبَدَنِهِ تَغَيُّرٌ أَزَالَهُ تَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَى الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَهَلْ يُكْرَهُ تَرْكُ التَّيَمُّمِ إعْطَاءً لَهُ حُكْمَ مُبْدَلِهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ أَوْ لَا لِفَوَاتِ الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ فِيهِ مِنْ النَّظَافَةِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى حَجّ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَدَلِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ مُبْدَلِهِ إلَّا لِمَانِعٍ وَلَمْ يُوجَدُ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِ الْغُسْلِ فِيهِ نَظَافَةٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَخْبَارِ الصَّحِيحَيْنِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ، لَكِنَّهُ سَاقَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورِينَ وَخَبَرَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» الْمُتَقَدِّمَ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِجَسَدِهِ عَرَقٌ كَثِيرٌ إلَخْ) يَعْنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute