للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُكْرَهُ الْعَدْوُ إلَيْهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَجَبَ الْإِسْرَاعُ إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا إلَّا بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ فَقْدَ بَعْضِ اللِّبَاسِ اللَّائِقِ بِهِ عُذْرٌ، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الرُّكُوبِ هُنَا إلَّا لِعُذْرٍ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا فِي الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَقَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ بِالذَّهَابِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَجُلٍ: هَلْ نَشْتَرِي لَك حِمَارًا تَرْكَبُهُ إذَا أَتَيْت إلَى الصَّلَاةِ فِي الرَّمْضَاءِ وَالظَّلْمَاءِ؟ فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ فِي ذَهَابِي وَعَوْدِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ فَعَلَ اللَّهُ لَك ذَلِكَ» أَيْ كَتَبَ لَك مَمْشَاك: أَيْ أَفْضَلِيَّتَهُ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: كَتَبَ لَك ذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ وَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ جِنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْحَدِيثُ عَنْ ظَاهِرِهِ.

وَمَنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ سَيَّرَ دَابَّتَهُ بِسُكُونٍ كَالْمَاشِي مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ لِمَنْ يُجْهِدُهُ الْمَشْيُ لِهَرَمٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ بُعْدِ مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مَا يَنَالُهُ مِنْ التَّعَبِ الْخُشُوعَ وَالْحُضُورَ فِي الصَّلَاةِ عَاجِلًا.

وَيُسَنُّ لَهُ الذَّهَابِ فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ إنْ أَمِنَ الْفَوْتَ وَالرُّجُوعَ فِي آخَرِ قَصِيرٍ كَالْعِيدِ (وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) لِخَبَرِ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ شَأْنَ الْمُصَلِّي اشْتِغَالُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَلَفْظُ الطَّرِيقِ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بَلْ عَلَى سَائِرِ كَسْبِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ لَمْ يَلْتَهِ صَاحِبُهَا وَإِلَّا كُرِهَتْ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ، وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَحْوَطَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لِكَرَاهَةِ بَعْضِ السَّلَفِ لَهَا فِيهِ لَا سِيَّمَا فِي مَوَاضِعِ الزَّحْمَةِ وَالْغَفْلَةِ كَالْأَسْوَاقِ.

(وَلَا يَتَخَطَّى) غَيْرُ الْإِمَامِ رِقَابَ النَّاسِ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ فَإِنْ ضَاقَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَضِقْ.

[فَرْعٌ] لَوْ تَوَقَّفَ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ عَلَى السَّعْيِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَجِبْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ بَعْضِ اللِّبَاسِ اللَّائِقِ بِهِ عُذْرٌ) وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَ الْإِسْرَاعَ لِلْعِبَادَةِ مُزْرِيًا وَيَعُدُّونَ غَيْرَهُ مُخِلًّا بِالْمُرُوءَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّ الْمَشْيَ غَيْرُ لَائِقٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ لِخُصُوصِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ) أَيْ بَلْ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِمُطِيقِ الْمَشْيِ كَمَا قَالَهُ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ بِالذَّهَابِ) أَيْ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ فِي الْعَوْدِ، وَظَاهِرُ الْجَوَابِ عَنْ الرَّدِّ الْآتِي اعْتِمَادُ هَذَا، وَصَرَّحَ بِهِ حَجّ وَعِبَارَتُهُ: وَأَنْ يَكُونَ طَرِيقُ ذَهَابِهِ أَطْوَلَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، وَيَتَخَيَّرُ فِي عَوْدِهِ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ كَمَا يَأْتِي فِي الْعِيدِ اهـ. وَنَقَلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ (قَوْلُهُ: بِسُكُونٍ كَالْمَاشِي) أَيْ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ تَسْيِيرُهَا بِسُكُونٍ لِصُعُوبَتِهَا وَاعْتِيَادِهَا الْعَدْوَ رَكِبَ غَيْرَهَا إنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ تِلْكَ السُّنَّةِ.

(قَوْلُهُ وَالرُّجُوعُ فِي آخَرَ) أَيْ إنْ سَهُلَ (قَوْلُهُ: مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَلْتَهِ صَاحِبُهَا) وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي الْقَهَاوِي وَالْأَسْوَاقِ (قَوْلُهُ: وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ) ضَعِيفٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَخَطَّى غَيْرُ الْإِمَامِ) وَمِثْلُهُ: أَيْ الْغَيْرُ بِالْأَوْلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّخَطِّي لِتَفْرِقَةِ الْأَجْزَاءِ أَوْ تَبْخِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْيِ الْمَاءِ أَوْ السُّؤَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ التَّخَطِّي، أَمَّا السُّؤَالُ بِمُجَرَّدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ سَعْيٌ فِي خَيْرٍ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَرْغَبْ الْحَاضِرُونَ الَّذِينَ يَتَخَطَّاهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ تَخَطِّي الْمُعَظَّمِ فِي النُّفُوسِ. قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ تَرْجِيحِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ الْإِيذَاءَ حَرَامٌ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت؟ قُلْت: لَيْسَ كُلُّ إيذَاءٍ حَرَامًا، وَلِلْمُتَخَطِّي هُنَا غَرَضٌ فَإِنَّ التَّقَدُّمَ أَفْضَلُ اهـ (قَوْلُهُ رِقَابُ النَّاسِ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالرِّقَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخَطِّي أَنْ يَرْفَعَ رِجْلَهُ بِحَيْثُ تُحَاذِي فِي تَخَطِّيهِ أَعْلَى مَنْكِبِ الْجَالِسِ، وَعَلَيْهِ فَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ لِيَصِلَ إلَى نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَيْسَ مِنْ التَّخَطِّي بَلْ مِنْ خَرْقِ الصُّفُوفِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فُرَجٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>