يُقَيِّدُ بَلْ يَجْرِي طَلَبُ الْإِكْثَارِ فِي الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ أَيْضًا نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْهُ بِذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ.
(وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ (التَّشَاغُلُ عَنْهَا) بِأَنْ يَتْرُكَ السَّعْيَ إلَيْهَا (بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ) مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ وَالصَّنَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] الْآيَةَ، وَقِيسَ بِالْبَيْعِ نَحْوُهُ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ: أَيْ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُشْغِلَ بِجَامِعِ التَّفْوِيتِ، وَتَقْيِيدُ الْأَذَانِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ فَانْصَرَفَ النِّدَاءُ فِي الْآيَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ فَقَطْ وَالْآخَرُ لَا تَلْزَمُهُ أَثِمَ كَمَا قَالَاهُ، بَلْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِارْتِكَابِ الْأَوَّلِ النَّهْيَ وَإِعَانَةِ الثَّانِي لَهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ لَعِبَ شَافِعِيٌّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ حَنَفِيٍّ وَنَصُّهُ عَلَى تَخْصِيصِ الْإِثْمِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى إثْمِ التَّفْوِيتِ، أَمَّا إثْمُ الْمُعَاوَنَةِ فَعَلَى الثَّانِي.
وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ شِرَاءَ مَاءِ طُهْرِهِ وَشَرِبَهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا وَمَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الطِّفْلِ أَوْ الْمَرِيضِ إلَى شِرَاءِ دَوَاءٍ أَوْ طَعَامٍ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يَعْصِي الْوَلِيُّ وَلَا الْبَائِعُ إذَا كَانَا يُدْرِكَانِ الْجُمُعَةَ مَعَ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ فِي صُوَرٍ مِنْهَا إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ وَبَيْعُهُ مَا يَأْكُلُهُ وَبَيْعُ كَفَنِ مَيِّتٍ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأْخِيرِ وَفَسَادُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَهُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ سَائِرٌ إلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْجَامِعِ لَكِنَّهُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَلَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَا إذَا لَا تَشَاغُلَ كَالْحَاضِرِ فِي الْمَسْجِدِ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَكَلَامُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ، وَهَلْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ كَالْكِتَابَةِ كَالِاشْتِغَالِ بِنَحْوِ الْبَيْعِ؟ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ نَعَمْ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَوْ أَرَادَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ بَيْعَ مَالِهِ وَقْتَ النِّدَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَهُنَاكَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَبَذَلَ دِينَارًا وَبَذَلَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَمِنْ أَيِّهِمَا يَبِيعُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّانِي لِئَلَّا يُوقِعَ الْأَوَّلَ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَالثَّانِي مِنْ ذِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ الْإِيجَابُ غَيْرُ عَاصٍ وَالْقَبُولُ لِلطَّالِبِ وَهُوَ عَاصٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُ فِي الْقَبُولِ لِيَنْتَفِعَ الْيَتِيمُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ كَمَا رَخَّصَ لِلْوَلِيِّ فِي الْإِيجَابِ لِلْحَاجَةِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ (فَإِنْ بَاعَ) مَثَلًا مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ (صَحَّ) بَيْعُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَعْنًى خَارِجٍ فَلَا تُبْطِلُ الْعَقْدَ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَبَيْعِ الْعِنَبِ لِمَنْ يُعْلَمُ اتِّخَاذُهُ خَمْرًا وَغَيْرُ الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ ذَلِكَ.
(وَيُكْرَهُ قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِدُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَالتَّشَاغُلُ عَنْهُ كَالْإِعْرَاضِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُبَلَّغُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ إذَا صَدَرَا مِنْ بُعْدٍ وَيَسْمَعُهُمَا إذَا كَانَا عِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهُ يُبَلَّغُهُمَا هُنَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ، إذْ لَا مَانِعَ أَنَّ مَنْ عِنْدَ قَبْرِهِ يُخَصُّ بِأَنَّ الْمَلَكَ يُبَلِّغُ صَلَاتَهُ وَسَلَامَهُ مَعَ سَمَاعِهِ لَهُمَا إشْعَارًا بِمَزِيدِ خُصُوصِيَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ وَالِاسْتِمْدَادِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، إذْ الْمُقَيَّدُ يَقْضِي بِهِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ وَاجِبٌ حَيْثُ أَمْكَنَ. وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هَلْ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ. وَالْوَرَعُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْحِنْثَ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهَا) أَيْ بَلْ الِاشْتِغَالُ بِهَا فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِهَا أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِخُصُوصِهِ. أَمَّا مَا وَرَدَ فِيهِ ذَلِكَ كَقِرَاءَةِ الْكَهْفِ وَالتَّسْبِيحِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ، فَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ.
(قَوْلُهُ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَشْغَلَ إلَخْ) شَمَلَ مَا لَوْ قَطَعَ بِعَدَمِ فَوَاتِهَا، وَنَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَخْصِيصِ الْإِثْمِ بِالْأَوَّلِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ: بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ) وَهَذَا جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ فِيهِ مَكْرُوهٌ) أَيْ مُطْلَقًا فَلَا تَتَقَيَّدُ الْكَرَاهَةُ بِهَذَا الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُمْ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ) خِلَافًا لحج وَيَلْحَقُ بِهِ: أَيْ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كُلُّ مَحِلٍّ يُعْلَمُ وَهُوَ فِيهِ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِيهَا وَيَتَيَسَّرُ لَهُ لُحُوقُهَا (قَوْلُهُ: كَالْكِتَابَةِ) أَيْ لِمَا طُلِبَ كِتَابَتُهُ كَالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ نَعَمْ) أَيْ فَيَحْرُمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّانِي إلَخْ: أَيْ وَهُوَ ثَمَنُ مِثْلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. .
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute