بِالْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ.
(وَمَنْ زُحِمَ) أَيْ مَنَعَهُ الزِّحَامُ (عَنْ السُّجُودِ) عَلَى أَرْضٍ، أَوْ نَحْوِهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ مَثَلًا (فَأَمْكَنَهُ) السُّجُودُ عَلَى هَيْئَةِ التَّنْكِيسِ (عَلَى) شَيْءٍ مِنْ (إنْسَانٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بِذَلِكَ وَهُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْ وَقْفَةٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ، أَوْ مَتَاعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَعَلَ) ذَلِكَ حَتْمًا لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ.
وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ السَّاجِدُ عَلَى شَاخِصٍ وَالْمَسْجُودُ عَلَيْهِ فِي وَهْدَةٍ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْسَانٌ مِثَالٌ، وَأَنَّ الزَّحْمَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْجُمُعَةِ بَلْ يَجْرِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَكَثِيرٍ لَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ الزِّحَامَ فِي الْجُمُعَةِ أَغْلَبُ؛ وَلِأَنَّ تَفَارِيعَهَا مُتَشَعِّبَةٌ مُشْكِلَةٌ لِكَوْنِهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ مُنْتَظِمَةٍ، أَوْ مُلَفَّقَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ: لَيْسَ فِي الزَّمَانِ مَنْ يُحِيطُ بِأَطْرَافِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ كَمَا ذُكِرَ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ) تَمَكُّنَهُ مِنْهُ (وَلَا يُومِئُ بِهِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا تَجُوزُ لَهُ الْمُفَارَقَةُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْجُمُعَةِ قَصْدًا مَعَ تَوَقُّعِ إدْرَاكِهَا لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ ادَّعَى فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْخُرُوجَ وَأَرَادَ أَنْ يُتِمَّهَا ظُهْرًا فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْإِمَامُ فِي نِهَايَتِهِ، أَمَّا الْمَزْحُومُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَيَسْجُدُ مَتَى تَمَكَّنَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ.
لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا لَحِقَهُ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَسَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي.
وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُومِئُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ كَالْمَرِيضِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَلَا يَجُوزُ فِي الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ السَّامِعِينَ.
ثُمَّ حَيْثُ انْعَقَدَتْ لِلْمُبَادِرِينَ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامِهِمْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ انْفِرَادُهُمْ بِإِمَامٍ إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى بِدُونِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُمْ اقْتِدَاءٌ بِهِ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ، وَيُعَزِّرُ الْإِمَامُ ذَلِكَ الْمُبَادِرَ عَلَى تَفْوِيتِهِ الْجُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ
(قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بِذَلِكَ) أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: أَوْ بَهِيمَةٌ أَوْ مَتَاعٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ صَاحِبُهُ كَالِاسْتِنَادِ إلَى حَائِطِهِ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ الَّذِي يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ رِضَاهُ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَنْشَأُ عَنْهُ شَرٌّ اُتُّجِهَ عَدَمُ اللُّزُومِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: قَدْ تُتَّجَهُ الْحُرْمَةُ (قَوْلُهُ: فَعَلَ ذَلِكَ حَتْمًا) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ وَلَا يَدْخُلُ بِذَلِكَ تَحْتَ يَدِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَسْجُودُ عَلَيْهِ صَيْدًا وَضَاعَ لَا يَضْمَنُهُ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ) قَالَ حَجّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِانْتِظَارُ فِي الِاعْتِدَالِ وَلَا يَضُرُّهُ تَطْوِيلُهُ لِعُذْرِهِ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الِانْتِظَارُ جَالِسًا بَعْدَ الِاعْتِدَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاعْتِدَالَ مَحْسُوبٌ لَهُ فَلَزِمَهُ الْبَقَاءُ فِيهِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ الْجُلُوسِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَمَّا هُوَ فِيهِ.
نَعَمْ إنْ لَمْ تَكُنْ طَرَأَتْ الزَّحْمَةُ إلَّا بَعْدَ أَنْ جَلَسَ فَيَنْبَغِي انْتِظَارُهُ حِينَئِذٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ حَرَكَةً مِنْ عَوْدِهِ لِلِاعْتِدَالِ اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَقَلُّ حَرَكَةً إلَخْ جَوَازُ الْعَوْدِ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ عَوْدَهُ لِمَحَلِّ الِاعْتِدَالِ فِعْلٌ أَجْنَبِيٌّ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْخُرُوجَ) عَلَى الْمَرْجُوحِ (قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَالرَّاجِحُ مِنْهَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ: فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ تَفَارِيعَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ، وَالْمُرَادُ الْجُمُعَةُ فِي الزَّحْمَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ إلَّا بِرَكْعَةٍ مُنْتَظِمَةٍ أَوْ مُلَفَّقَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي إذْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّحْمَةِ: أَيْ أَوْ نَحْوِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلِأَنَّ تَفَارِيعَ الْجُمُعَةِ فِي الزَّحْمَةِ مُتَشَعِّبَةٌ إلَخْ، وَلَوْ عَكَسَ فَقَالَ: وَلِأَنَّ تَفَارِيعَ الزَّحْمَةِ فِي الْجُمُعَةِ إلَخْ لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْخُرُوجَ) أَيْ بِالنِّيَّةِ بِمَعْنَى الْمُفَارَقَةِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ الْقَوْلَانِ) أَيْ فَتَبْطُلُ هُنَا عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ