أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ مَخْصُوصٌ بِهِنَّ، وَقَدْ ضَبَطَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مَا يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ مَخْصُوصًا بِهِنَّ فِي جِنْسِهِ وَهَيْئَتِهِ أَوْ غَالِبًا فِي زِيِّهِنَّ، وَكَذَا يُقَالُ فِي عَكْسِهِ وَأَلْحَقُوا بِالرَّجُلِ الْخُنْثَى لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ، وَالتَّقْيِيدُ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ بِاللُّبْسِ وَالْجُلُوسِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَيَحْرُمُ مَا عَدَاهُمَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَخْبَارِ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوجًا بِدَلِيلِ اسْتِثْنَائِهِمْ مِنْ الْحُرْمَةِ خَيْطَ السُّبْحَةِ وَلَيْقَةَ الدَّوَاةِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ وَرَقِ الْحَرِيرِ فِي الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِحَالَةَ (وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ) لِمَا مَرَّ فِي الْخَبَرِ حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ، وَلِأَنَّ تَزْيِينَ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ يَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهَا وَوَطْئِهَا فَيُؤَدِّي إلَى مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ مِنْ كَثْرَةِ النَّسْلِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَغَيْرِهِ لُبْسُ ثَوْبٍ خِيطَ بِهِ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُضَبَّبِ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ، وَيَحِلُّ مِنْهُ خَيْطُ السُّبْحَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُلْحَقُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَيْقَةُ الدَّوَاةِ لِاسْتِتَارِهَا بِالْحِبْرِ كَإِنَاءِ نَقْدٍ غُشِّيَ بِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهَا أَوْلَى بِانْتِفَاءِ الْخُيَلَاءِ مِنْ التَّطْرِيفِ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ الْخَيْطُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يُقَالُ فِي عَكْسِهِ) وَمِنْهُ وَمَا يَقَعُ لِنِسَاءِ الْعَرَبِ مِنْ لُبْسِ البشوت وَحَمْلِ السِّكِّينِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالرِّجَالِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ اخْتَصَّتْ النِّسَاءُ أَوْ غَلَبَ فِيهِنَّ زِيٌّ مَخْصُوصٌ فِي إقْلِيمٍ وَغَلَبَ فِي غَيْرِهِ تَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِذَلِكَ الزِّيِّ كَمَا قِيلَ إنَّ نِسَاءَ قُرَى الشَّامِ يَتَزَيَّنَّ بِزِيِّ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَعَاطَوْنَ الْحَصَادَ وَالزِّرَاعَةَ وَيَفْعَلْنَ ذَلِكَ، فَهَلْ يَثْبُتُ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهِ أَوْ يُنْظَرُ لِأَكْثَرِ الْبِلَادِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ نَقْلًا عَنْ الْإِسْنَوِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَمَا أَفَادَهُ: أَيْ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي لِبَاسِ وَزِيِّ كُلٍّ مِنْ النَّوْعَيْنِ حَتَّى يَحْرُمَ التَّشَبُّهُ بِهِ فِيهِ بِعُرْفِ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَسَنٌ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ بِمِصْرَ الْآنَ مِنْ لُبْسِ قِطْعَةِ شَاشٍ عَلَى رُءُوسِهِنَّ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ وَلَا غَالِبًا فِيهِمْ، فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ مِنْ إلْبَاسِهِنَّ لَيْلَةَ جَلَائِهِنَّ عِمَامَةَ رَجُلٍ فَيَنْبَغِي فِيهِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الزِّيَّ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ (قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ مِنْهُ خَيْطُ السُّبْحَةِ) بَيَانٌ لِلْمُسْتَثْنَى فَلَا يُقَالُ إنَّهُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا أَوْلَى بِانْتِفَاءِ الْخُيَلَاءِ) تَوَقَّفَ م ر فِيمَا لَوْ أَرْخَى نَحْوَ نَامُوسِيَّةٍ صَغِيرَةٍ عَلَى كِيزَانٍ هَلْ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ تَنَاوُلُ الْكُوزَ مِنْ تَحْتِهَا وَوَضْعُهُ تَحْتَهَا؟ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعِدْ ذَلِكَ لَهُ أَنْ لَا يَحْرُمَ بِمُجَرَّدِ تَنَاوُلِهِ الْكُوزَ وَرَدِّهِ لِمَوْضِعِهِ.
وَلَوْ رُفِعَتْ سَحَابَةٌ مِنْ حَرِيرٍ حَرُمَ الْجُلُوسُ تَحْتَهَا حَيْثُ كَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَعْمَلًا أَوْ مُنْتَفَعًا بِهَا، وَلَوْ جُعِلَ تَحْتَهَا مِمَّا يَلِي الْجَالِسَ ثَوْبٌ مِنْ كَتَّانٍ مَثَلًا مُتَّصِلَةٌ بِهَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ حُرْمَةَ الْجُلُوسِ تَحْتَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ ظَاهِرُ اللِّحَافِ حَرِيرًا فَتَغَطَّى بِظَاهِرِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ كَتَّانٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَرِيرِ، وَلَوْ رُفِعَتْ السَّحَابَةُ جِدًّا بِحَيْثُ صَارَتْ فِي الْعُلُوِّ كَالسُّقُوفِ لَمْ يَحْرُمْ الْجُلُوسُ تَحْتَهَا، كَمَا لَا يَحْرُمُ السَّقْفُ الْمُذَهَّبُ وَإِنْ حَرُمَ فِعْلُهُ مُطْلَقًا وَاسْتِدَامَتُهُ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ، وَحَيْثُ حَرُمَ الْجُلُوسُ تَحْتَ السَّحَابَةِ فَصَارَ ظِلُّهَا غَيْرَ مُحَاذٍ لَهَا بَلْ فِي جَانِبٍ آخَرَ حَرُمَ الْجُلُوسُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لَهَا كَمَا لَوْ تَبَخَّرَ
[حاشية الرشيدي]
كَذَا ظَهَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ: أَيْ غَيْرِ الْخَاصِّ بِهِنَّ وَلَا الْغَالِبِ فِيهِنَّ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ زِيِّ الرِّجَالِ أَيْضًا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فَرْضَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا لَبِسَهُ لَا عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي تَلْبَسُ بِهَا النِّسَاءُ فَقَدْ تَشَبَّهَ بِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِهِنَّ فِي جِنْسِهِ لَا فِي هَيْئَتِهِ، وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِمَجْمُوعِهَا كَمَا يَأْتِي فِي الضَّابِطِ، فَقَوْلُهُ: لَا أَنَّهُ زِيٌّ مَخْصُوصٌ بِهِنَّ: أَيْ وَلَا غَالِبٌ فِيهِنَّ: أَيْ بَلْ تُشَارِكُهُنَّ فِيهِ الرِّجَالُ عَلَى السَّوَاءِ مَثَلًا عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِهِنَّ لِكَوْنِهِ لَبِسَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِنَّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِحَالَةَ) يَعْنِي اتِّخَاذَ الْحَرِيرِ وَرِقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute