للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُ بَلَدٍ أَثِمُوا وَقُوتِلُوا عَلَى هَذَا، وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِ كَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ (وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى مِنْ تَرْكِهَا بِالْإِجْمَاعِ، أَمَّا هُوَ فَتُسْتَحَبُّ لَهُ مُنْفَرِدًا لِقِصَرِ زَمَنِهَا لَا جَمَاعَةً لِاشْتِغَالِهِ بِأَعْمَالِ التَّحَلُّلِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَنْ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ وَالْخُطْبَةِ، وَمَا رَوَى مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا مَحْمُولٌ إنْ صَحَّ عَلَى ذَلِكَ، إذْ لَوْ فَعَلَهَا جَمَاعَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ لَاشْتَهَرَ (وَ) تُشْرَعُ أَيْضًا (لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) وَالْخُنَثِي وَالصَّبِيِّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُ الْجُمُعَةِ مِنْ جَمَاعَةٍ وَعَدَدٍ وَغَيْرِهِمَا، وَيُسَنُّ لِإِمَامِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَخْطُبَهُمْ وَيَأْتِيَ فِي خُرُوجِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ لَهَا جَمِيعُ مَا مَرَّ أَوَائِلَ الْجَمَاعَةِ فِي خُرُوجِهِمَا لَهَا.

وَيُسْتَحَبُّ الِاجْتِمَاعُ لَهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَيُكْرَهُ تَعَدُّدُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَهُ الْأَمْرُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: أَيْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَقِيلَ عَلَى وَجْهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

تُوَالِي التَّكْبِيرِ (قَوْلُهُ: وَقُوتِلُوا عَلَى هَذَا) أَيْ دُونَ الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَدَمَ قِتَالِهِمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ خِلَافٌ فِي الْقِتَالِ عَلَى تَرْكِهَا بِنَاءً عَلَى السُّنِّيَّةِ، فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَطَعَ بِعَدَمِ الْقِتَالِ هُنَا عَلَى السُّنِّيَّةِ دُونَهُ ثُمَّ، وَقَدْ يُقَالُ: الْفَرْقُ آكَدِيَّةُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ قِيلَ بِكَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ وَلَمْ يُقَلْ بِمِثْلِهِ هُنَا هَذَا.

وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ فِي الدَّرْسِ عَنْ بَعْضٍ فِي شُرُوحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ قِيلَ بِالْقِتَالِ عَلَى تَرْكِ جَمِيعِ السُّنَنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ فَلْيُرَاجَعْ اهـ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا أَنْ يَكْتَفِي بِفِعْلِهَا فِي مَوْضِعٍ حَيْثُ وَسِعَ مَنْ يَحْضُرُهَا وَإِنْ كَبُرَ الْبَلَدُ كَالْجُمُعَةِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيُسَنُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ إنْ وَسِعَ، وَيُكْرَهُ تَعَدُّدُ جَمَاعَتِهَا بِلَا حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ اهـ حَجّ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: كَسَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ اهـ: أَيْ فَإِنَّ لَهُ الْمَنْعَ مِنْهَا اهـ سم.

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُطْلَبُ مِنْ الْإِمَامِ وَالْقِيَاسُ طَلَبُهُ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا سَيَأْتِي لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى نَفْيِ كَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ) أَيْ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ قِيلَ فِيهَا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً) عَبَّرَ بِهِ دُونَ تُسَنُّ لِيَتَمَشَّى عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا، وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ اتِّفَاقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ هَلْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ بِفِعْلِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ السُّقُوطِ بِفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الشِّعَارُ بِفِعْلِهِمْ، بَلْ لَوْ اكْتَفَى بِفِعْلِ النِّسَاءِ عُدَّ تَهَاوُنًا بِالدِّينِ (قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ) أَيْ لَهَا جَمَاعَةً (قَوْلُهُ: هِيَ أَفْضَلُ) أَيْ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ) دَخَلَ فِي الْغَيْرِ الْمُعْتَمِرُ فَيَأْتِي بِهَا جَمَاعَةً (قَوْلُهُ: بِمِنًى) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمِنًى جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَيُسَنُّ فِعْلُهَا لِلْحَاجِّ فُرَادَى وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مِنًى لِلْحَاجَةِ أَوْ غَيْرِهَا حَجّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: عَنْ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ) صِلَةُ قَوْلِهِ لِاشْتِغَالِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّهُ فَعَلَهَا مُنْفَرِدًا (قَوْلُهُ: لِإِمَامِ الْمُسَافِرِينَ) وَمِثْلُهُمْ إمَامُ الْعَبِيدِ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَلَعَلَّهُ خَصَّ الْمُسَافِرِينَ لِانْفِرَادِهِمْ مِنْ الْمُقِيمِينَ، بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَنْفَرِدُونَ عَنْ الْأَحْرَارِ الذُّكُورِ غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ طَلَبِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَوْ قِيلَ بِطَلَبِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: الْمَنْعُ مِنْهُ) أَيْ التَّعَدُّدِ.

قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: كَسَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْأَمْرُ بِهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَمَعَ ذَلِكَ مِثْلُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُهُ لِلْمَصْلَحَةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ اهـ.

وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الظَّاهِرَةِ التَّنَاقُضِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ، إذْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِفِعْلِ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَنَّ مَا سَبَقَ لَيْسَ بِصَارِفٍ، وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِشَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَفْضَلُ) الضَّمِيرُ هُنَا رَاجِعٌ لِلْجَمَاعَةِ بِخِلَافِهِ فِي قَوْلِهِ فَيُسْتَحَبُّ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْعِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>