للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَنَا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ، وَكَمَا يُقْبَلُ خَبَرُ الذِّمِّيِّ عَنْ شَاتِه بِأَنَّهُ ذَكَّاهَا، وَكَإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ إخْبَارَهُ الْمُتَوَاتِرَ بِأَنْ كَانَ جَمْعًا يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارُ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ نَحْوِ الْفَاسِقِ مِمَّنْ ذُكِرَ طَهَّرْت الثَّوْبَ مَقْبُولٌ لِإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَهُرَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ غُسِلَ الْمَيِّتُ وَإِنْ جَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى قَبُولِهِ فِي الشِّقَّيْنِ (وَبَيَّنَ السَّبَبَ) فِي تَنَجُّسِهِ أَوْ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ طُهْرِهِ كَوُلُوغِ كَلْبٍ سَوَاءٌ أَكَانَ عَامِّيًّا أَمْ فَقِيهًا مُوَافِقًا لِلْمُخْبَرِ أَمْ مُخَالِفًا (أَوْ كَانَ فَقِيهًا) فِي بَابِ تَنَجُّسِ الْمِيَاهِ (مُوَافِقًا) لِلْخَبَرِ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ (اعْتَمَدَهُ) حَتْمًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْفَقِيهِ أَوْ الْفَقِيهِ الْمُخَالِفِ أَوْ الْمَجْهُولِ مَذْهَبُهُ فَلَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْبِرَ بِتَنَجُّسِ مَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عَنْ الْمُخْبِرِ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ قَدْ وَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ وَاخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ، فَيَكُونُ الْأَرْجَحُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ تَرْجِيحَ مَا لَا يَعْتَقِدُ الْمُخْبَرُ تَرْجِيحُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقِيهًا مُوَافِقًا أَنَّهُ يَعْلَمُ الرَّاجِحَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ مَا تَقَرَّرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ، إذْ هُوَ الَّذِي يُعْلَمُ اعْتِقَادُهُ فَيُنْظَرُ هَلْ الْمُخْبِرُ يُوَافِقُهُ أَمْ لَا؟ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَيُبَيِّنُ لَهُ السَّبَبَ مُطْلَقًا وَإِنْ عَرَفَ اعْتِقَادَهُ فِي الْمِيَاهِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ، وَقَدْ ذَكَرْت الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا مِنْ وُجُوبِ التَّفْصِيلِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي نَحْوِ الرِّدَّة فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.

وَلَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ خَبَرُ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلَغَ الْكَلْبُ فِي هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ ذَاكَ وَعَكَسَهُ الْآخَرُ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا صِدْقًا وَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْوُلُوغِ فِي وَقْتَيْنِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِالِاحْتِيَاطِ لِلْعِبَادَةِ لَا يَأْتِي فِي قَبُولِ خَبَرِهِمْ عِنْدَ قَوْلِ أَحَدِهِمْ طَهُرَتْ الثَّوْبُ (قَوْلُهُ: وَكَإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ) أَيْ إخْبَارُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ) أَيْ فَإِنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ لَا الظَّنَّ (قَوْلُهُ مُوَافِقًا) كَتَبَ شَيْخُنَا بِهَامِشِ الْمَحَلِّيِّ لَوْ شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُخَالِفِ، وَكَذَا الشَّكُّ فِي الْفِقْهِ الْأَصْلُ عَدَمُهُ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. وَأَقُولُ: هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْمَجْهُولُ مُوَافَقَتُهُ فَتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِلْمُخْبَرِ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ) زَادَ حَجّ أَوْ عَارِفًا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُهُ بِاعْتِقَادِهِ لَا بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ، فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُوَافِقِ لِلْغَالِبِ.

فَإِنْ قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُخْبِرُهُ بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ. قُلْت: هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْمَذْهَبَيْنِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: اعْتَمَدَهُ) لَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِي اعْتِمَادِهِ وُجُوبُ تَطْهِيرِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْمُخْبَرِ بِتَنَجُّسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ بِالظَّنِّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ شَرْعًا فَلْيُرَاجَعْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ وَاخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ وَالشَّارِحِ (قَوْلُهُ: فَيَبِينُ لَهُ) أَيْ الْمُخْبِرُ (قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ الْعُبَابِ) عِبَارَتُهُ فِيهِ وَهُوَ أَنَّا فِي الرِّدَّةِ قَبِلْنَا الشَّهَادَةَ بِهَا مُطْلَقًا مِنْ الْمُوَافِقِ وَغَيْرِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَسْبَابِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يُبَرْهِنَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَعَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهِمَا مَعَ سُكُوتِهِ تَقْصِيرٌ بَلْ ذَلِكَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَاءُ.

وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ هُنَا: وَإِنَّمَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ مَعَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا يَأْتِي تَغْلِيظًا عَلَى الْمُرْتَدِّ لِإِمْكَانِ أَنْ يُبَرْهِنَ عَنْ نَفْسِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: وَلَغَ الْكَلْبُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَلَغَ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ مِنْ السِّبَاعِ يَلَغُ وَلْغًا وَمِنْ بَابِ نَفَعَ وَوُلُوغًا شَرِبَ بِلِسَانِهِ وَسُقُوطُ الْوَاوِ كَمَا فِي يَقَعُ، وَوَلَغَ يَلِغُ مِنْ بَابَيْ وَعَدَ وَوَرِثَ لُغَةٌ، وَيَوْلَغُ مِثْلُ وَجِلَ يَوْجَلُ لُغَةٌ أَيْضًا، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَوْلَغْتُهُ: إذَا سَقَيْتُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُضَيِّفَاهُ لِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مُوَافِقٌ لِمَا بَحَثَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ نَحْوِ الْفَاسِقِ مِمَّنْ ذَكَرَ طَهَّرْت الثَّوْبَ مَقْبُولٌ) أَيْ بِشَرْطِ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الطَّهَارَةِ إذَا كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا كَمَا فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ الشَّيْخِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>