للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلا ضَعِيفًا، وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْقِدَاحَ، أنحتها في حجره زمزم، فو الله انى لجالس فِيهَا أَنْحَتُ الْقِدَاحَ، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ، وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ، إِذْ أَقْبَلَ الْفَاسِقُ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ بِشَرٍّ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ، فَكَانَ ظَهْرُهُ إِلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ قَدِمَ قَالَ:

فَقَالَ أَبُو لهب: هلم الى يا بن أَخِي، فَعِنْدَكَ الْخَبَرُ قَالَ: فَجَلَسَ إِلَيْهِ، وَالنَّاسُ قيام عليه، فقال: يا بن أَخِي، أَخْبِرْنِي، كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟

قَالَ: لا شَيْءَ، وَاللَّهِ إِنْ كَانَ إِلا أَنْ لَقَيْنَاهُمْ، فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا، يَقْتُلُونَنَا وَيَأْسِرُونَ كَيْفَ شَاءُوا، وَايْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ، لَقِينَا رِجَالا بِيضًا عَلى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، مَا تَلِيقُ شَيْئًا وَلا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي، ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ الْمَلائِكَةُ قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً، قَالَ:

فَثَاوَرْتُهُ، فَاحْتَمَلَنِي، فَضَرَبَ بِي الأَرْضَ ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي- وَكُنْتُ رَجُلا ضَعِيفًا- فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَةً فَشَجَّتْ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: تَسْتَضْعِفُهُ أَنْ غَابَ عنه سيده! فقام موليا ذليلا، فو الله مَا عَاشَ إِلا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ، فَلَقَدْ تَرَكَهُ ابْنَاهُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا مَا يَدْفِنَانِهِ حَتَّى أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ- وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي الْعَدَسَةَ وَعَدْوَتَهَا كَمَا يَتَّقِي النَّاسُ الطَّاعُونَ- حَتَّى قَالَ لَهُمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: وَيْحَكُمَا! أَلا تَسْتَحِيَانِ أَنَّ أَبَاكُمَا قَدْ أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ لا تُغَيِّبَانِهِ! فَقَالا: إِنَّا نَخْشَى هَذِهِ الْقُرْحَةَ، قَالَ: فَانْطَلِقَا فَأَنَا مَعَكُمَا، فَمَا غَسَّلُوهُ إِلا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ، مَا يَمَسُّونَهُ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ فَدَفَنُوهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ إِلَى جِدَارٍ، وَقَذَفُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتَّى وَارَوْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>