فمن ذلك ما كان بين الحجاج وعبد الرحمن بن مُحَمَّد من الحروب بالزاوية.
ذكر هِشَام بن مُحَمَّدٍ، عن أبي مخنف، قال: حدثني أبو الزبير الهمداني قال: كان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة، واقتتلوا في المحرم من سنة اثنتين وثمانين، فتزاحفوا ذات يوم، فاشتد قتالهم ثم إن أهل العراق هزموهم حتى انتهوا إلى الحجاج، وحتى قاتلوهم على خنادقهم، وانهزمت عامة قريش، وثقيف، حتى قال عبيد بن موهب مولى الحجاج وكاتبه:
فر البراء وابن عمه مصعب ... وفرت قريش غير آل سعيد
ثم إنهم تزاحفوا في المحرم في آخره في اليوم الذي هزم فيه أهل العراق أهل الشام، فنكصت ميمنتهم وميسرتهم، واضطربت رماحهم، وتقوض صفهم، حتى دنوا منا، فلما رأى الحجاج ذلك جثا على ركبتيه، وانتضى نحوا من شبر من سيفه، وقال: لله در مصعب! ما كان أكرمه حين نزل به ما نزل! فعلمت أنه والله لا يريد أن يفر قال: فغمزت أبي بعيني ليأذن لي فيه فأضربه بسيفي، فغمزني غمزة شديدة، فسكنت وحانت مني التفاتة، فإذا سفيان بن الأبرد الكلبي قد حمل عليهم فهزمهم من قبل الميمنة، فقلت: أبشر أيها الأمير، فإن الله قد هزم العدو فقال لي: قم فانظر، قال: فقمت فنظرت، فقلت: قد هزمهم الله، قال: قم يا زياد فانظر، قال: فقام فنظر فقال: الحق أصلحك الله يقينا قد هزموا، فخر ساجدا، فلما رجعت شتمني أبي وقال: أردت أن تهلكني وأهل بيتي