للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضربوا بالسياط ما خلا عمارا، فانه او من لما كان من إقراره على القوم في المطبق، فرفع بعض أهل المطبق أنهم يريدون أن يشغبوا وينقبوا السجن- وكانوا قبل ذلك بيوم قد سدوا باب السجن من داخل فلم يدعوا أحدا يدخل عليهم- فلما كان الليل وسمعوا شغبهم، بلغ المأمون خبرهم، فركب إليهم من ساعته بنفسه، فدعا بهؤلاء الأربعة فضرب أعناقهم صبرا، وأسمعه ابن عائشة شتما قبيحا، فلما كانت الغداة صلبوا على الجسر الأسفل، فلما كان من الغداة يوم الأربعاء انزل ابراهيم بن عائشة، فكفن وصلي عليه، ودفن في مقابر قريش، وأنزل ابن الأفريقي فدفن في مقابر الخيزران وترك الباقون.

[العفو عن ابراهيم بن المهدى]

وذكر أن إبراهيم بْن المهدي لما أخذ صير به الى دار ابى إسحاق بن الرشيد- وابو اسحق عند المأمون- فحمل رديفا لفرج التركي، فلما أدخل على المأمون قَالَ له: هيه يا إبراهيم! فقال: يا أمير المؤمنين، ولي الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الشقاء أمكن عادية الدهر من نفسه، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب، كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن تعاقب فبحقك، وأن تعف فبفضلك، قَالَ: بل أعفو يا إبراهيم، فكبر ثم خر ساجدا.

وقيل ان ابراهيم كتب بهذا الكلام إلى المأمون وهو مختف، فوقع المأمون في حاشية رقعته: القدرة تذهب الحفيظة، والندم توبة، وبينهما عفو الله، وهو أكبر ما نسأله، فقال إبراهيم يمدح المأمون:

يا خير من ذملت يمانية به ... بعد الرسول لآيس ولطامع

وأبر من عبد الإله على التقى ... عينا وأقوله بحق صادع

عسل الفوارع ما أطعت فإن تهج ... فالصاب يمزج بالسمام الناقع

<<  <  ج: ص:  >  >>