فيها اشتدت مطالبه الخصيبى الوزير الأموال عند الناس، واكثر التعلل عليهم فيها، ولم يدع عند احد مالا احس به الا اخذه باتعس ما يكون من الأخذ والشده، وكان نصر بن الفتح صاحب بيت مال العامه قد توفى في شهر ربيع الاول من هذا العام، فطالب الخصيبى جاريته وابنته بالأموال، واحضرهما عند نفسه واشتد عليهما، فلم يجد عندهما كثير مال، إذ كان نصر رجلا صحيح الأمانة، وكان له معروف عند الناس واياد حسنه.
وفيها امر المقتدر ابن الخصيب وزيره باستقدام ابن ابى الساج من الجبل لمحاربه القرمطى، فاستقدمه، واقبل يريد مدينه السلام، فاشتد على نصر الحاجب ونازوك وشفيع المقتدرى وهارون بن غريب الخال وغيرهم من الغلمان دخوله بغداد، فكتب اليه مؤنس بان يعدل الى واسط ليكون مقامه بها وغزوه القرامطة منها، فسار إليها ثم تأخر نفوذه الى القرمطى ولم يتم خروجه اليه لشروط شرطها واموال طلبها، وكانت الأموال في غاية التعذر فلم يجب الى ما اشترطه، وكان ذلك سببا لتوقفه.
وفيها اتخذت أم المقتدر كاتبا يقوم بأمر ضياعها وحشمها وأسبابها لما رات الخصيبى قد اشتغل بالوزارة والنظر في اسباب المملكة، فقالت لثمل القهرمانه: ارتادى لي كاتبا يقوم مكانه ويحل محله، فاتخذت لها عبد الرحمن بن محمد بن سهل، وكان قد لزم بيته، واقتصر على ضيعه له، فاستخرج من منزله، وكتب لام المقتدر وتولى أمورها، وكانت فيه كفاية وأبوه شيخ من مشايخ الكتاب، وممن عنى بالعلم، فصعب امره على الخصيبى الوزير، وتمنى انه لم يكن تولى الوزارة حين فارق خدمه أم المقتدر، وكانت انفع له من الخليفة، فجعل امره يضعف كلما قلت الأموال التي كان يتقرب بها ويشتد على الناس فيها.