حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بن أبي أسامة ببعض ما أنا ذاكره من أخباره وببعض ذلك غيره، أن نجاح بن سلمة كان على ديوان التوقيع والتتبع على العمال، وكان قبل ذلك كاتب إبراهيم بن رباح الجوهري، وكان على الضياع، فكان جميع العمال يتقونه ويقضون حوائجه، ولا يقدرون على منعه من شيء يريده، وكان المتوكل ربما نادمه، وكان انقطاع الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو وزير المتوكل، وكانا يحملان إليه كل ما يأمرهما به، وكان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع، وموسى على ديوان الخراج، فكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكل في الحسن وموسى يذكر أنهما قد خانا وقصرا فيما هما بسبيله، وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم، فأدناه المتوكل وشاربه تلك العشية، وقال: يا نجاح، خذل الله من يخذلك، فبكر إلي غدا حتى أدفعهما إليك، فغدا وقد رتب أصحابه، وقال: يا فلان خذ أنت الحسن، ويا فلان خذ أنت موسى، فغدا نجاح إلى المتوكل، فلقي عبيد الله، وقد أمر عبيد الله أن يحجب نجاح عن المتوكل، فقال له: يا أبا الفضل، انصرف حتى ننظر وتنظر في هذا الأمر، وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح، قال: وما هو؟ قال: أصلح بينك وبينهما، وتكتب رقعة تذكر فيها أنك كنت شاربا، وأنك تكلمت بأشياء تحتاج إلى معاودة النظر فيها، وأنا أصلح الأمر عند أمير المؤمنين، فلم يزل يخدعه حتى كتب رقعة بما أمره به، فأدخلها على المتوكل، وقال: يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح عما قال البارحة، وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان به بما كتبا، فتأخذ ما ضمنا عنه، ثم تعطف عليهما، فتأخذ منهما قريبا مما ضمن لك عنهما.
فسر المتوكل، وطمع فيما قال له عبيد الله، فقال: ادفعه إليهما،