في قضاء حوائجهم عنده، قَالَ: وكانت تريد أن تغلب على أمره كما غلبت على أمر المهدي، فكان يمنعها من ذلك ويقول: ما للنساء والكلام في أمر الرجال! فلما كثر عليه مصير من يصير إليها من قواده، قَالَ يوما وقد جمعهم:
أيما خير؟ أنا أو أنتم؟ قالوا: بل أنت يا أمير المؤمنين، قَالَ: فأيما خير، أمي أو أمهاتكم؟ قالوا: بل أمك يا أمير المؤمنين، قَالَ: فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه، فيقولوا: فعلت أم فلان، وصنعت أم فلان، وقالت أم فلان؟ قالوا: ما أحد منا يحب ذلك، قَالَ: فما بال الرجال يأتون أمي فيتحدثون بحديثها! فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها البتة، فشق ذلك عليها فاعتزلته، وحلفت ألا تكلمه، فما دخلت عليه حتى حضرته الوفاة.
[ذكر الخبر عما كان من خلع الهادي للرشيد]
وكان السبب في إرادة موسى الهادي خلع أخيه هارون حتى اشتد عليه في ذلك وجد- فيما ذكر صالح بْن سليمان- أن الهادي لما أفضت إليه الخلافة أقر يحيى بْن خالد على ما كان يلي هارون من عمل المغرب، فأراد الهادي خلع هارون الرشيد والبيعة لابنه جعفر بْن موسى الهادي، وتابعه على ذلك القواد، منهم يزيد بْن مزيد وعبد الله بْن مالك وعلي بْن عيسى ومن أشبههم، فخلعوا هارون، وبايعوا لجعفر بْن موسى، ودسوا إلى الشيعة، فتكلموا في أمره، وتنقصوه في مجلس الجماعة، وقالوا: لا نرضى به، وصعب أمرهم حتى ظهر، وأمر الهادي ألا يسار قدام الرشيد بحربة، فاجتنبه الناس وتركوه، فلم يكن أحد يجترئ أن يسلم عليه ولا يقربه.
وكان يحيى بْن خالد يقوم بإنزال الرشيد ولا يفارقه هو وولده- فيما ذكر.
قَالَ صالح: وكان إسماعيل بْن صبيح كاتب يحيى بْن خالد، فأحب أن يضعه موضعا يستعلم له فيه الأخبار، وكان إبراهيم الحراني في موضع الوزارة لموسى، فاستكتب إسماعيل، ورفع الخبر إلى الهادي، وبلغ ذلك يحيى بْن خالد، فأمر إسماعيل أن يشخص إلى حران، فسار إليها، فلما كان بعد أشهر سأل