ذكر الخبر عن حاله وحال أصحابه وما آل إليه أمرهم عند انتقاله من الجانب الغربي
ذكر أن الموفق لما أخرب منازل صاحب الزنج وحرقها، لجأ إلى التحصن في المنازل الواغلة في نهر أبي الخصيب، فنزل منزلا كان لأحمد بن موسى المعروف بالقلوص، وجمع عياله وولده حوله هناك، ونقل أسواقه إلى السوق القريبة من الموضع الذي اعتصم به، وهي سوق كانت تعرف بسوق الحسين، وضعف أمره ضعفا شديدا، وتبين للناس زوال أمره، فتهيبوا جلب الميرة إليه، فانقطعت عنه كل مادة، فبلغ عنده الرطل من خبز البر عشرة دراهم، فأكلوا الشعير، ثم أكلوا أصناف الحبوب، ثم لم يزل الأمر بهم إلى أن كانوا يتبعون الناس، فإذا خلا أحدهم بامرأة أو صبي أو رجل ذبحه وأكله، ثم صار قوي الزنج يعدو على ضعيفهم، فكان إذا خلا به ذبحه وأكل لحمه، ثم أكلوا لحوم أولادهم، ثم كانوا ينبشون الموتى، فيبيعون أكفانهم ويأكلون لحومهم، وكان لا يعاقب الخبيث أحدا ممن فعل شيئا من ذلك إلا بالحبس، فإذا تطاول حبسه أطلقه.
وذكر أن الفاسق لما هدمت داره وأحرقت، وانتهب ما فيها، وأخرج طريدا سليبا من غربي نهر أبي الخصيب، تحول إلى شرقيه، فرأى أبو أحمد أن يخرب عليه الجانب الشرقي لتصير حال الخبيث فيه كحاله في الغربي في الجلاء عنه، فأمر ابنه أبا العباس بالوقوف في جمع من أصحابه في الشذا في نهر أبي الخصيب، وأن يختار من أصحابه وغلمانه جمعا يخرجهم في الموضع الذي كانت فيه دار الكرنبائي من شرقي نهر أبي الخصيب، ويخرج معهم الفعلة لهدم كل ما يلقاهم من دور أصحاب الفاجر ومنازلهم، ووقف الموفق على قصر المعروف بالهمداني- وكان الهمداني يتولى حياطة هذا الموضع، وهو أحد قادة جيوش الخبيث وقدماء أصحابه- وأمر الموفق جماعة من قواده ومواليه فقصدوا