للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن التقى يا بني العباس أدبكم ... حتى استفادت قريش منكم الأدبا

من كان مقتضبا في حول مدحكم ... فلست فيه بحمد الله مقتضبا.

[امر المعتز مع اهل بغداد]

ذكر عن أبي عبد الرحمن الفاني أن فتى من اهل سامرا املى عليه مما عمله بعض أهلها عن ألسن الأتراك أن المعتز لما أفضت إليه الخلافة، وقلده الله القيام بأمر عباده في المشارق والمغارب، والبر والبحر، والبدو والحضر، والسهل والجبل، تألم بسوء اختيار أهل بغداد وفتنتهم، فأمر المعتز بالله بإحضار جماعة ممن صفت أذهانهم، ورقت طبائعهم، ولطف ظنهم، وصحت نحائزهم، وجادت غرائزهم، وكملت عقولهم بالمشورة، فقال أمير المؤمنين:

أما تنظرون إلى هذه العصابة التي ذاع نفاقهم، وغار شأوهم، الهمج الطغام، والأوغاد الذين لا مسكة بهم، ولا اختيار لهم، ولا تمييز معهم، قد زين لهم تقحم الخطا سوء أعمالهم، فهم الأقلون وإن كثروا والمذمومون إن ذكروا، وقد علمت أنه لا يصلح لقود الجيوش وسد الثغور وإبرام الأمور وتدبير الأقاليم إلا رجل قد تكاملت فيه خلال أربع: حزم يقف به عند موارد الأمور حقائق مصادرها، وعلم يحجزه عن التهور والتغرير في الأشياء إلا مع إمكان فرصتها، وشجاعة لا ينقصها الملمات مع تواتر حوائجها، وجود يهون به تبذير جلائل الأموال عند سؤالها وأما الثلاث: فسرعة مكافأة الإحسان إلى صالح الأعوان، وثقل الوطأة على أهل الزيغ والعدوان، والاستعداد للحوادث، إذ لا تؤمن من نوائب الزمان وأما الاثنتان، فإسقاط الحاجب عن الرعية، والحكم بين القوي والضعيف بالسوية وأما الواحدة فالتيقظ في الأمور مع عدم تأخير عمل اليوم لغد، فما ترون، وقد اخترت رجالا لهم من موالي، أحدهم شديد الشكيمة، ماضي العزيمة، لا تبطره السراء، ولا تدهشه الضراء، لا يهاب ما وراءه، ولا يهوله ما تلقاءه، وهو كالحريش في أصل السلام، إن

<<  <  ج: ص:  >  >>