وذكروا أنه أراد أن يقصد المدائن، واجتمع على بابه جماعة من مشايخ الحربية والأرباض جميعا، يعتذرون إليه، ويسألونه الصفح عما كان منهم، ويذكرون أن الذي فعل ذلك الغوغاء والسفهاء لسوء الحال التي كانوا بها والفاقة التي نالتهم، فرد عليهم- فيما ذكر- مردا جميلا، وقال لهم قولا حسنا، وأثنى عليهم، وصفح عما كان منهم، وتقدم إليهم بالتقدم إلى شبابهم وسفهائهم في الأخذ على أيديهم، وأجابهم إلى ترك النقلة، وكتب إلى أصحاب المعاون بترك السخره.
ذكر خبر انتقال المستعين الى دار رزق الخادم بالرصافة
ولأيام خلون من ذي الحجة انتقل المستعين من دار محمد بن عبد الله، وركب منها، فصار إلى دار رزق الخادم في الرصافة، ومر بدار علي بن المعتصم، فخرج إليه علي، فسأله النزول عنده، فأمره بالركوب، فلما صار إلى دار رزق الخادم نزلها، فوصل إليها- فيما ذكر- مساء، فأمر للفرسان من الجند حين صار إليها بعشرة دنانير لكل فارس منهم، وبخمسة دنانير لكل راجل وركب بركوب المستعين ابن طاهر، وبيده الحربة يسير بها بين يديه، والقواد خلفه، وأقام- فيما ذكر- مع المستعين ليلة انتقل إلى دار رزق محمد بن عبد الله إلى ثلث الليل، ثم انصرف، وبات عنده وصيف وبغا حتى السحر، ثم انصرفا إلى منازلهما ولما كان صبيحة الليلة التي انتقل المستعين فيها من دار ابن طاهر اجتمع الناس في الرصافة، وأمر القواد وبنو هاشم بالمصير إلى ابن طاهر والسلام عليه، وأن يسيروا معه إذا ركب إلى الرصافة فصاروا إليه، فلما كان الضحى الأكبر من ذلك اليوم، ركب ابن طاهر وجميع قواده في تعبئه