للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم ما كانوا يخافونه من شدة ولايته، وأعلمهم أنه قد أبدل ما كان في خلقه من الغلظة والفظاظة رقة ورأفة، وساسهم بأرفق السياسة، وسار فيهم بأعدل السيرة، وكان حريصا على انتعاش الضعفاء وعمارة البلاد والعدل على الرعية.

ثم هلك ولا ولد له، فشق ذلك على الناس، فسألوا بميلهم إليه عن نسائه، فذكر لهم أن بعضهن حبلى وقد قَالَ بعضهم: إن هرمز كان أوصى بالملك لذلك الحمل في بطن أمه، وأن تلك المرأة ولدت سابور ذا الأكتاف.

وكان ملك هرمز في قول بعضهم ست سنين وخمسة أشهر، وفي قول آخرين سبع سنين وخمسة اشهر

. ذكر ملك سابور ذي الاكتاف

ثم ولد سابور ذو الأكتاف بن هرمز بن نرسي بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير، مملكا بوصية أبيه هرمز له بالملك، فاستبشر الناس بولادته، وبثوا خبره في الآفاق، وكتبوا الكتب، ووجهوا به البرد إلى الآفاق والأطراف، وتقلد الوزراء والكتاب الأعمال التي كانوا يعملونها في ملك أبيه، ولم يزالوا على ذلك، حتى فشا خبرهم، وشاع في أطراف مملكة الفرس أنه كان لا ملك لهم، وأن أهلها إنما يتلومون صبيا في المهد، لا يدرون ما هو كائن من أمره، فطمعت في مملكتهم الترك والروم.

وكانت بلاد العرب أدنى البلاد إلى فارس، وكانوا من أحوج الأمم إلى تناول شيء من معايشهم وبلادهم، لسوء حالهم وشظف عيشهم، فسار جمع عظيم منهم في البحر من ناحية بلاد عبد القيس والبحرين وكاظمه، حتى أناخوا على ابرشهر وسواحل أردشير خرة وأسياف فارس، وغلبوا أهلها على مواشيهم وحروثهم ومعايشهم، وأكثروا الفساد في تلك البلاد، فمكثوا على ذلك من أمرهم حينا، لا يغزوهم أحد من الفرس، لعقدهم تاج الملك على طفل من الأطفال، وقلة هيبة الناس له، حتى تحرك سابور وترعرع، فلما ترعرع ذكر أن أول ما عرف من تدبيره وحسن فهمه، أنه استيقظ ذات

<<  <  ج: ص:  >  >>