أبو جعفر: يا أمير المؤمنين، إنما كان بدولتنا، والله لو بعثت سنورا لقام مقامه وبلغ ما بلغ في هذه الدولة فقال له أبو العباس: فكيف نقتله؟
قَالَ: إذا دخل عليك وحادثته وأقبل عليك دخلت فتغفلته فضربته من خلفه ضربة أتيت بها على نفسه، فقال أبو العباس: فكيف بأصحابه الذين يؤثرونه على دينهم ودنياهم؟ قَالَ: يئول ذلك كله إلى ما تريد، ولو علموا أنه قد قتل تفرقوا وذلوا، قَالَ: عزمت عليك إلا كففت عن هذا، قَالَ: أخاف والله ان لم تتغده اليوم يتعشاك غدا، قَالَ: فدونكه، أنت أعلم.
قَالَ: فخرج أبو جعفر من عنده عازما على ذلك، فندم أبو العباس وأرسل إلى أبي جعفر: لا تفعل ذلك الأمر.
وقيل: إن أبا العباس لما أذن لأبي جعفر في قتل أبي مسلم، دخل أبو مسلم على أبي العباس، فبعث أبو العباس خصيا له، فقال: اذهب فانظر ما يصنع أبو جعفر، فأتاه فوجده محتبيا بسيفه، فقال للخصي: أجالس أمير المؤمنين؟
فقال له: قد تهيأ للجلوس، ثم رجع الخصي إلى أبي العباس فأخبره بما رأى منه، فرده إلى أبي جعفر وقال له: قل له الأمر الذي عزمت عليه لا تنفذه فكف ابو جعفر
. حج ابى جعفر المنصور وابى مسلم
وفي هذه السنة حج أبو جعفر المنصور وحج معه أبو مسلم.
ذكر الخبر عن مسيرهما وعن وصفه مقدمهما على أبي العباس: أما أبو مسلم فإنه- فيما ذكر عنه- لما أراد القدوم على أبي العباس، كتب يستأذنه في القدوم للحج، فأذن له، وكتب إليه أن أقدم في خمسمائة من الجند، فكتب إليه أبو مسلم: إني قد وترت الناس ولست آمن على نفسي فكتب إليه أن أقبل في ألف، فإنما أنت في سلطان أهلك ودولتك، وطريق مكة لا تحتمل العسكر، فشخص في ثمانية آلاف فرقهم فيما بين نيسابور والري، وقدم بالأموال والخزائن فخلفها بالري، وجمع أيضا أموال الجبل، وشخص منها في ألف وأقبل، فلما أراد الدخول تلقاه القواد وسائر الناس، ثم استأذن