كان السبب في ذلك أن فساق الحربية والشطار الذين كانوا ببغداد والكرخ آذوا الناس أذى شديدا، وأظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق، فكانوا يجتمعون فيأتون الرجل، فيأخذون ابنه، فيذهبون به فلا يقدر أن يمتنع، وكانوا يسألون الرجل أن يقرضهم أو يصلهم فلا يقدر أن يمتنع عليهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى، فيكاثرون أهلها، ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغير ذلك، لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر على ذلك منهم، لأن السلطان كان يعتز بهم، وكانوا بطانته، فلا يقدر أن يمنعهم من فسق يركبونه، وكانوا يجبون المارة في الطرق وفي السفن وعلى الظهر ويخفرون البساتين، ويقطعون الطرق علانية، ولا أحد يعدو عليهم، وكان الناس منهم في بلاء عظيم، ثم كان آخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطربل، فانتهبوها علانية، وأخذوا المتاع والذهب والفضة والغنم والبقر والحمير وغير ذلك، وأدخلوها بغداد، وجعلوا يبيعونها علانية، وجاء أهلها فاستعدوا السلطان عليهم، فلم يمكنه اعداؤهم عليهم، ولم يرد عليهم شيئا مما كان أخذ منهم، وذلك آخر شعبان.
فلما رأى الناس ذلك وما قد أخذ منهم، وما بيع من متاع الناس في أسواقهم، وما قد أظهروا من الفساد في الأرض والظلم والبغي وقطع الطريق، وأن السلطان لا يغير عليهم، قام صلحاء كل ربض وكل درب، فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة، وقد غلبوكم وأنتم أكثر منهم، فلو اجتمعتم حتى يكون أمركم واحدا، لقمعتم هؤلاء