[ذكر الخبر عن سبب فعل صاحب الروم بالمسلمين ما فعل من ذلك:]
ذكر أن السبب في ذلك كان ما لحق بابك من تضييق الأفشين عليه وإشرافه على الهلاك، وقهر الأفشين إياه، فلما أشرف على الهلاك، وأيقن بالضعف من نفسه عن حربه، كتب الى ملك الروم توفيل بن ميخائيل بن جورجس، يعلمه أن ملك العرب قد وجه عساكره ومقاتلته إليه حتى وجه خياطه- يعني جعفر بن دينار- وطباخه- يعني إيتاخ- ولم يبق على بابه أحد، فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس في وجهك أحد يمنعك، طمعا منه بكتابه ذلك إليه في أن ملك الروم أن تحرك انكشف عنه بعض ما هو فيه بصرف المعتصم بعض من بإزائه من جيوشه إلى ملك الروم، واشتغاله به عنه.
فذكر أن توفيل خرج في مائة ألف- وقيل أكثر- فيهم من الجند نيف وسبعون ألفا، وبقيتهم أتباع حتى صار إلى زبطرة، ومعه من المحمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال فلحقوا بالروم حين قاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب جماعة رئيسهم بارسيس وكان ملك الروم قد فرض لهم، وزوجهم وصيرهم مقاتلة يستعين بهم في أهم أموره إليه، فلما دخل ملك الروم زبطرة وقتل الرجال الذين فيها، وسبى الذراري والنساء التي فيها وأحرقها، بلغ النفير- فيما ذكر- إلى سامرا، وخرج أهل ثغور الشام والجزيرة وأهل الجزيرة إلا من لم يكن عنده دابة ولا سلاح، واستعظم المعتصم ذلك.
فذكر أنه لما انتهى إليه الخبر بذلك صاح في قصره النفير، ثم ركب دابته وسمط خلفه شكالا وسكة حديد وحقيبة، فلم يستقم له أن يخرج إلا بعد التعبئة، فجلس- فيما ذكر- في دار العامة، وقد أحضر من أهل مدينة السلام قاضيها عبد الرحمن بن إسحاق وشعيب بن سهل، ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلا من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثا لولده، وثلثا لله، وثلثا لمواليه ثم عسكر بغربي دجلة، وذلك يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى