للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّنِيَّ فِي أَمْرِي قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَبَيْتَ عَلَيَّ فَانْزَعْ مَنْ شِئْتَ وَاتْرُكْ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّ لِمُعَاوِيَةَ جُرْأَةً، وَهُوَ فِي أَهْلِ الشَّامِ يُسْمَعُ مِنْهُ، وَلَكَ حُجَّةٌ فِي إِثْبَاتِهِ، كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ وَلاهُ الشَّامَ كُلَّهَا، فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ، لا أَسْتَعْمِلُ مُعَاوِيَةَ يَوْمَيْنِ أَبَدًا فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِي عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ لِي: إِنِّي أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِمَا أَشَرْتُ بِهِ فَأَبَيْتَ عَلَيَّ، ثُمَّ نَظَرْتُ فِي الأَمْرِ فَإِذَا أَنْتَ مُصِيبٌ، لا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَأْخُذَ أَمْرَكَ بِخُدْعَةٍ، وَلا يَكُونُ فِي أَمْرِكَ دُلْسَةٌ.

قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَمَّا أَوَّلُ مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْكَ فَقَدْ نَصَحَكَ، وَأَمَّا الآخِرُ فَغَشَّكَ، وَأَنَا أُشِيرُ عَلَيْكَ بِأَنْ تُثْبِتَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنْ بَايَعَ لَكَ فَعَلَيَّ أَنْ أُقْلِعَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ [قَالَ عَلِيٌّ: لا وَاللَّهِ، لا أُعْطِيهِ إِلا السَّيْفَ قَالَ] :

ثُمَّ تَمَثَّلَ بِهَذَا الْبَيْتِ:

مَا مِيتَةٌ إِنْ مِتُّهَا غَيْرُ عَاجِزٍ ... بِعَارٍ إِذَا مَا غَالَتِ النَّفْسَ غَوْلُهَا

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ رَجُلٌ شُجَاعٌ لَسْتَ بِأَرِبٍ بِالْحَرْبِ، اما [سمعت رسول الله ص يَقُولُ: الْحَرْبُ خَدْعَةٌ!] فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتَنِي لأَصْدُرَنَّ بِهِمْ بَعْدَ وِرْدٍ، وَلأَتَرْكُنَّهُمْ يَنْظُرُونَ فِي دُبُرِ الأُمُورِ لا يَعْرِفُونَ مَا كَانَ وجهها، فِي غَيْرِ نُقْصَانٍ عَلَيْكَ وَلا إِثْمَ لَكَ فَقَالَ: يا بن عَبَّاسٍ، لَسْتُ مِنْ هَنِيئَاتِكَ وَهَنِيئَاتِ مُعَاوِيَةَ فِي شَيْءٍ، تُشِيرُ عَلَيَّ وَأَرَى، فَإِذَا عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي قال: فقلت: افعل، ان ايسر مالك عِنْدِي الطَّاعَةُ

. مسير قسطنطين ملك الروم يريد الْمُسْلِمِينَ

وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة خمس وثلاثين- سار قسطنطين بن هرقل- فِيمَا ذكر مُحَمَّد بن عُمَرَ الْوَاقِدِيّ عن هِشَام بن الغاز، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نسي- فِي ألف مركب يريد أرض الْمُسْلِمِينَ، فسلط اللَّه عَلَيْهِم قاصفا من الريح فغرقهم، ونجا قسطنطين بن هرقل، فأتى صقلية، فصنعوا لَهُ حماما فدخله فقتلوه فِيهِ، وَقَالُوا: قتلت رجالنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>