ولما توجه علقمة إلى غزة وتوجه معاوية إلى قيسارية، صمد عمرو بْن العاص إلى الأرطبون، ومر بإزائه، وخرج معه شرحبيل بْن حسنة على مقدمته، واستخلف على عمل الأردن أبا الأعور، وولى عمرو بْن العاص مجنبتيه عبد اللَّه بْن عمرو وجنادة بْن تميم المالكي، مالك بْن كنانة، فخرج حتى ينزل على الروم بأجنادين، والروم في حصونهم وخنادقهم وعليهم الأرطبون.
وكان الأرطبون أدهى الروم وأبعدها غورا، وأنكاها فعلا، وقد كان وضع بالرملة جندا عظيما، وبإيلياء جندا عظيما، وكتب عمرو إلى عمر بالخبر، فلما جاءه كتاب عمرو، قال: قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عم تتفرج! وجعل عمر رحمه اللَّه من لدن وجه أمراء الشام يمد كل أمير جند ويرميه بالأمداد، حتى إذا أتاه كتاب عمرو بتفريق الروم، كتب إلى يزيد أن يبعث معاوية في خيله إلى قيسارية، وكتب إلى معاوية بإمرته على قتال أهل قيسارية، وليشغلهم عن عمرو، وكان عمرو قد استعمل علقمة ابن حكيم الفراسي ومسروق بْن فلان العكي على قتال أهل إيلياء، فصاروا بإزاء أهل إيلياء، فشغلوهم عن عمرو، وبعث أبا أيوب المالكي إلى الرملة، وعليها التذارق، وكان بإزائهما، ولما تتابعت الأمداد على عمرو، بعث مُحَمَّد بْن عمرو مددا لعلقمة ومسروق، وبعث عمارة بْن عمرو بْن أمية الضمري مددا لأبي أيوب، وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على سقطة، ولا تشفيه الرسل، فوليه بنفسه، فدخل عليه كأنه رسول، فأبلغه ما يريد، وسمع كلامه، وتأمل حصونه حتى عرف ما أراد وقال أرطبون في نفسه: والله إن هذا لعمرو، أو إنه للذي يأخذ عمرو برأيه، وما كنت لأصيب القوم بأمر أعظم عليهم من قتله ثم دعا حرسيا فساره بقتله، فقال: اخرج فقم مكان كذا وكذا، فإذا مر بك فاقتله، وفطن له عمرو، فقال: قد سمعت مني وسمعت منك، فأما ما قلته فقد وقع مني