وقدم فِي هَذِهِ السنة مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بن طاهر بغداد منصرفا من مكة في صفر، فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر، فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة صفراء من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة، وأن يسار بها كما يسار بالخريطة الواردة بسلامة الموسم، وأمر أن يقام على المشعر الحرام وسائر المشاعر الشمع مكان الزيت والنفط.
وفيها ماتت أم المتوكل بالجعفرية لست خلون من شهر ربيع الآخر وصلى عليها المنتصر، ودفنت عند المسجد الجامع
. خلافه المنتصر محمد بن جعفر
وفيها بويع للمنتصر محمد بن جعفر بالخلافة في يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال- وقيل لثلاث خلون منه- وهو ابن خمس وعشرين سنة وكنيته أبو جعفر بالجعفرية، فأقام بها بعد ما بويع له عشرة أيام، ثم تحول منه بعياله وقواده وجنوده الى سامرا.
وكان قد بايعه ليلة الأربعاء الذين ذكرناهم قبل، فذكر عن بعضهم، أنه قال: لما كان صبيحة يوم الأربعاء، حضر الناس الجعفرية من القواد والكتاب والوجوه والشاكرية والجند وغيرهم، فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتابا يخبر فيه عن أمير المؤمنين المنتصر، أن الفتح بن خاقان قتل أباه جعفرا المتوكل، فقتله به، فبايع الناس، وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فبايع وانصرف.
وذكر عن أبي عثمان سعيد الصغير أنه قال: لما كانت الليلة التي قتل فيها المتوكل، كنا في الدار مع المنتصر، فكان كلما خرج الفتح خرج معه، وكلما رجع قام لقيامه وجلس لجلوسه، وخرج في أثره، وكلما ركب أخذ بركابه، وسوى عليه ثيابه في سرج دابته، وكان اتصل بنا الخبر أن عبيد الله بن يحيى قد أعد له قوما في طريقه ليغتالوه عند انصرافه، وقد كان