للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر عن أبي حشيشة أنه كان يقول: كان المأمون يقول: إن الخليفة بعدي في اسمه عين، فكان يظن أنه العباس ابنه فكان المعتصم، وكان يقول: وبعده هاء، فيظن أنه هارون، فكان الواثق، وكان يقول: وبعده اصفر الساقين، فكان يظن انه ابو الحائز العباس فكان المتوكل ذلك، فلقد رأيته إذا جلس على السرير يكشف ساقيه، فكانا أصفرين، كأنما صبغا بزعفران.

وذكر عن يحيى بن أكثم، أنه قال: حضرت المتوكل، فجرى بيني وبينه ذكر المأمون وكتبه إلى الحسن بن سهل، فقلت بتفضيله وتقريظه ووصف محاسنه وعلمه ومعرفته ونباهته قولا كثيرا، لم يقع بموافقة بعض من حضر، فقال المتوكل: كيف كان يقول في القرآن؟ قلت: كان يقول: ما مع القرآن حاجة إلى علم فرض، ولا مع سنه الرسول ص وحشة إلى فعل أحد، ولا مع البيان والإفهام حجة لتعلم، ولا بعد الجحود للبرهان والحق إلا السيف لظهور الحجة فقال له المتوكل: لم أرد منك ما ذهبت إليه من هذا المعنى، قال له يحيى: القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذي نعمة، قال: فما كان يقول خلال حديثه، فإن المعتصم بالله يرحمه الله كان يقوله، وقد أنسيته؟ فقال: كان يقول: اللهم إني أحمدك على النعم التي لا يحصيها احد غيرك، وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك.

قال: فما كان يقول إذا استحسن شيئا أو بشر بشيء، فقد كان المعتصم بالله أمر علي بن يزداد أن يكتبه لنا، فكتبه فعلمناه ثم أنسيناه؟ قال: كان يقول: إن ذكر آلاء الله ونشرها وتعداد نعمه والحديث بها فرض من الله على أهلها، وطاعة لأمره فيها، وشكر له عليها، فالحمد لله العظيم الآلاء، السابغ النعماء بما هو أهله، ومستوجبه من محامده القاضية حقه، البالغة شكره، الموجبة مزيده على ما لا يحصيه تعدادنا، ولا يحيط به ذكرنا، من ترادف مننه، وتتابع فضله، ودوام طوله، حمد من يعلم أن ذلك منه، والشكر له عليه فقال المتوكل: صدقت، هذا هو الكلام بعينه، وهذا كله حكم من ذي حنكة وعلم، وانقضى المجلس

<<  <  ج: ص:  >  >>