للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرجت يوم الخندق اقفو آثار الناس، فو الله إِنِّي لأَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ وَئِيدَ.

الأَرْضِ خَلْفِي- تَعْنِي حِسَّ الأَرْضِ- فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدٍ، فَجَلَسْتُ إِلَى الأَرْضِ، وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ- شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو- يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، وَعَلَى سَعْدٍ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ خَرَجَتْ أَطْرَافُهُ مِنْهَا قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ.

قَالَتْ: فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، فَمَرَّ بِي يَرْتَجِزُ، وَيَقُولُ:

لَبِّثْ قَلِيلا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الأَجَلْ! قَالَتْ: فَلَمَّا جَاوَزَنِي قُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ لَهُ- قَالَ مُحَمَّدُ: وَالتَّسْبِغَةُ الْمِغْفَرُ- لا تُرَى إِلا عَيْنَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، مَا جَاءَ بِكِ؟

مَا يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ يَكُونُ تَحَوُّزٌ أَوْ بَلاءٌ! فو الله مَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى وَدَدْتُ أَنَّ الأَرْضَ تَنْشَقُّ لِي فَأَدْخُلَ فِيهَا، فَكَشَفَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ، أَيْنَ الْفِرَارُ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ إِلا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ! قَالَتْ: فَرُمِيَ سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ، رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرَقَةِ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ، فَقَالَ: سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ! فَأَصَابَ الأَكْحَلَ مِنْهُ فَقَطَعَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: زَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ إِلا لَمْ يَزَلْ يَبِضُّ دَمًا حَتَّى يَمُوتَ فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْنِي حَتَّى تَقَرَّ عَيْنِي فِي بَنِي قُرَيْظَةَ! وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لا يتهم، عن عبيد الله بن كعب بْن مالك، أنه كان

<<  <  ج: ص:  >  >>